المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

ذ. الصديق الصادقي العماري
تقديم

تهدف التربية بمفهومها الشامل إلى إكساب المتعلم المعرفة والخبرة والمهارة، وتهدف أيضا إلى تنمية ذاته وقدراته الشخصية و إعداده، لمواجهة مطالب الحياة في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية الجديدة، كما تهدف إلى مساعدة المتعلم على تحقيق التوافق الشخصي والاجتماعي والصحة النفسية.
وإذا كانت المدرسة هي البيئة التي يتم فيها ومن خلالها تحقيق الأهداف السابقة، فإن المدرس مازال هو الشخص الأساسي والمحوري والمسئول عن نجاح العملية التعليمية في تحقيق أهدافها، وقد اكتسب المدرس هذه الأهمية من موقعه في العملية التعليمية، فهو المسئول عن المناخ التعليمي، والتحصيل الدراسي، والعلاقات الإنسانية داخل الفصل خاصة، ومتابعة الأنشطة داخل وخارج الفصل، كما يشارك في الأنشطة والبرامج المدرسية، ويعقد لقاءات مع المسئولين عن تربية التلميذ. بيد أن الأمر في غاية الصعوبة بالنظر إلى المدرس ومؤهلاته ونوع التكوين الذي تلقاه، وكذا المهمات الجسام الملقاة على عاتقه، و ظروف العمل التي يتخبط فيها، وكذا الوضعية التي أصبح يعرفها اليوم في ظل زمن العولة و تكنلوجيا المعلومات و الاتصال.
فهل يمكن للمدرس القيام بدور الإرشاد النفسي لوحده أم يحتاج هو الأخر إلى تأطير في المجال النفسي من أجل المواكبة و التوجيه؟ أم أن دوره يبقى مقتصرا على الجانب المعرفي فحسب كما هو عليه الأن؟ وماهي المهام و المسؤوليات التي يمكنه القيام بها في هذا الباب؟
كلها أسئلة و غيرها سأحاول جاهدا الإجابة عنها من خلال تقديم بعض المقترحات و التوضيحات استقيتها من تجربتي المهنية و من اطلاعي على بعض الدراسات و الأبحاث التي عملت على تحليل هذه الظاهرة الشائكة.
.1الإرشاد والتوجيه:
تستخدم مؤسسات التنشئة الاجتماعية آليات متعددة في تحقيق وظائفها، وتدور هذه الآليات حول مفهوم التعلم الاجتماعي الذي يعتبر الآلية المركزية للتنشئة الاجتماعية في كل المجتمعات، مهما اختلفت نظرياتها وأساليبها في التنشئة، ومهما تعددت وتنوعت مضامينها في التربية.
فالإرشاد هو مساعدة و توجيه الصغار إلى أساليب التعامل الاجتماعي السليم وتوجيه المراهقين والراشدين إلى كيفية تحقيق التفاعل العام الناجح مما يسهم في تحقيق عملية التنشئة الاجتماعية. ودليل ذلك هو أن فقدان أطفال الشوارع للإرشاد والتوجيه يترتب عليه آثار أخلاقية واجتماعية سيئة، كما أن المرء عندما يولد فإنه يفتقد للخبرة في التعامل مع الأشخاص والأشياء والمواقف، ثم تأتي التنشئة الاجتماعية لتزوده بهذه الخبرة.[1]
.2الإرشاد و التوجيه النفسي Counseling
الإرشاد النفسي أحد فروع علم النفس التطبيقية، وهو من المهن المساعدة، ويقوم به مرشد نفسي counselor مهني متخصص، حيث يقدم الخدمات الإرشادية للمسترشد نفسه الذي يطلب الخدمات الإرشادية، وفي بعض الحالات تقدم الخدمات الإرشادية لأفراد مهمين للمسترشد مثل: الوالدين والمدرس، وهذه الخدمات قد تكون ذات طبيعة نمائية أو وقائية أو تعليمية أو علاجية، ويتم تقديم هذه الخدمات من خلال علاقة إنسانية مهنية دينامية هادفة تتم وجها لوجه مع المسترشد أو مع أفراد آخرين مهمين بالنسبة للمسترشد، كما يتم تقديم هذه الخدمات الإرشادية من خلال عملية إرشادية مخططة وفي بيئة تعليمية.[2]
والتوجيه والإرشاد النفسي هو″عملية توجيه و إرشاد الفرد لفهم إمكاناته و قدراته واستعداداته، واستخدامها في حل مشكلاته وتحديد أهدافه و وضع خطط حياته المستقبلية من خلال فهمه لواقعه و حاضره، و مساعدته في تحقيق أكبر قدر من السعادة و الكفاية، من خلال تحقيق ذاته والوصول إلى أقصى درجة من التوافق بشقيه الشخصي والاجتماعي″.[3]
من خلال ما سبق يتضح أن العملية الإرشادية تشير إلى العلاقة المهنية التي يتحمل فيها المرشد مسئولية المساعدة الإيجابية للعميل من خلال محاولة تغيير أنماطه السلوكية السلبية بأنماط سلوكية جديدة أكثر إيجابية، ومن خلال فهم وتحليل استعداداته و قدراته و إمكاناته وميوله و الفرص المتاحة أمامه وتقوية قدرته على الاختيار و اتخاذ القرار، و إعداده لمستقبله بهدف وضعه في المكان المناسب له لتحقيق أهداف سليمة وحياة سليمة و مواطنة صالحة.
أما مناهج الإرشاد النفسي فتتوزع على ثلاث مناهج رئيسية:[4]
المنهج الإنشائي: الخدمات التي تقدم للأشخاص العاديين من خلال مراكز الإرشاد النفسي لتزيد من شعور الأفراد بالسعادة و التوافق، و لتزيد كفاءاتهم إلى أقصى حد ممكن.

المنهج الوقائي: يقدم الطريقة التي يجب أن يسلكها الفرد مع نفسه و مع الآخرين حتى يقي نفسه و يقي الآخرين من الوقوع في حالات الاضطراب النفسي.

المنهج العلاجي: ما يقدم للفرد لرفع المعانات عنه و حل مشكلاته و مساندته للتخلص من أي حالة توتر و قلق حتى يعود إلى حالته الطبيعية.
أما الإرشاد النفسي المدرسي مجال من مجالات الإرشاد النفسي، وتعتبر المدرسة أو الجامعة المجال الذي تقدم فيه خدمات الإرشاد النفسي المدرسي للتلميذ أو الطالب بواسطة المرشد النفسي المدرسي .School counselor هذا الأخير الذي يجب تكوينه تكوينا جامعا في المجال النفسي بكل فروعه و تخصصاته، و أن يكون أهلا للقيام بهذه المهمة على أحسن وجه من خلال تحمله المسئولية الكاملة و انفتاحه على كل التخصصات الأخرى و الموازية و التي لها تقاطعات مع علم النفس.
.3المدرس و الإرشاد النفسي المدرسي
من خلال علاقة المدرس المباشرة مع التلميذ خلال اليوم الدراسي يمكن أن يقدم الكثير من الخدمات التي تهم التلميذ، بجانب التركيز على المادة العلمية، ولكي نستفيد من موقع المدرس في مجال الإرشاد النفسي فإن الخدمات الإرشادية تقدم إليه في مجالين:
المجال الأول: استرشادي
يقدم المرشد النفسي من خلال البرامج الإرشادية المدرسية خدمات إرشادية ثقافية للمدرس. والخدمات الإرشادية التي تقدم في هذا الجانب تحقق أهدافا إرشادية نمائية ووقائية للأستاذ والتلميذ على السواء، وهي موجهة إلى الأستاذ مباشرة، ولكن آثارها تنعكس على التلميذ، ويتم تقديم هذه الخدمات عن طريق تنظيم لقاءات أو محاضرات إرشادية تتم داخل المدرسة أو خارجها، ويخطط لهذه الخدمات لتكون ضمن البرنامج المدرسي، أو تكون ضمن برامج التوجيه والإرشاد التي ينظمها أقسام التوجيه والإرشاد بالإدارات التعليمية، وقد تقدم هذه الخدمات من خلال برنامج إرشادي مخطط من قبل المرشد النفسي المدرسي عندما توجد مشكلات خاصة تتطلب مثل هذه البرامج مثل: تعدد حالات الهروب من المدرسة، وانخفاض التحصيل الدراسي لفصل ما، وانتشار ظاهرة العدوان لدى التلاميذ .. الخ.
ويتم تقديم الخدمات الإرشادية للمدرس لتحقيق هدفين:
الهدف الأول:الخدمات الإرشادية الموجهة لرفع كفاية المدرس في التدريس:
الخدمات الإرشادية في هذا الجانب موجهة لتزويد المدرس بالمعارف والخبرات والمهارات في ضوء قوانين ونظريات وفروع علم النفس النظرية، ونتائج التجارب لفروع علم النفس التطبيقية وأيضا نتائج البحوث والدراسات في مجال علم النفس بفروعه المختلفة بهدف تحقيق الآتي:
1-الإعداد الجيد للدرس وإدارة الفصل:
ونستدل على ذلك من خلال:
أ) التخطيط للدرس: في ضوء الأهداف المعرفية والسلوكية والوجدانية المراد تحقيقها، على أن يراعى عند التخطيط، خصائص التلميذ، والفروق الفردية، والفروق بين الجنسين، وإمكانيات المدرسة و إمكانيات البيئة، وتخصيص وقت لتلخيص الدرس وربطه بالدرس السابق والدرس اللاحق ثم تقويم ما تحقق من أهداف الدرس.
ب) إدارة الفصل: عن طريق توفير مناخ تعليمي آمن داخل الفصل، ومواجهة الصراع والعدوان والمنافسة والغيرة بين التلاميذ، وإدارة الوقت.
جـ) تحديد نقاط السهولة والصعوبة في الدرس: ويمكن الاستدلال عليها من ملاحظة حيرة التلاميذ في فهم الدرس، ويتم مواجهة الصعوبة بسلوكيات متنوعة مثل: طرح الأسئلة المناسبة في الوقت المناسب، استخدام معينات تعلم مناسبة، تشجيع التلاميذ على المشاركة في الدرس، عرض طرق بديلة لمواجهة الصعوبات، لمعالجة الأخطاء أو الزلات الصادرة من المدرس أو التلميذ.
د) ربط المعرفة والخبرات: عن طريق الربط بين الحقائق العلمية في الدرس والبيئة الخارجية، وظروف المجتمع وثقافته وإمكانياته.
2-من حيث فهم التلاميذ:
من الأمور التي يجب أن يتعلمها المدرس، ألا ينظر إلى الفصل الدراسي باعتباره بناء يضم تلاميذ ولكن ينظر ويهتم بالتلاميذ الموجودين داخل الفصل، وإذا كان هناك تشابه في أعمار هؤلاء التلاميذ إلا أن هناك فروقا بينهم في القدرات العقلية والتحصيلية والكفاية الجسمية وسمات الشخصية، وهذه الفروق توجد أيضا بين الجنسين (ذكور، إناث) وداخل التلميذ نفسه (قد يتميز في جانب ولا يتميز في جانب آخر).
و يجب أن يدرك ويتفهم المدرس أن الأطفال عندما يأتون إلى المدرسة لا يأتون وعقولهم صفحة بيضاء. وبالتالي يكتب ما يشاء عليها، ولكن الأطفال ينقلون معهم ميراثهم وما تعلموه من خلال فرص التنشئة الاجتماعية، ولذلك نجدهم دائبي الحركة والنشاط. ويغضبون ويخافون ونجد بعضهم لديه حب الذات والآخر لديه حب الاستطلاع والآخر لديه سلوك الخنوع Submission (رغبة الطفل في الانكماش على نفسه) والبعض يميل إلى الصراخ Crying عندما يشعر بالخوف أو يعبر عن غضبه، والبعض الآخر يميل إلى الضحك Laughing عندما يشاهد طفلا آخر يفعل شيئا غير مألوف أو يرى الأستاذ يكرر لفظا عدة مرات أو يأتي بلزمات معينة، أو يرتدي ملابس غير مألوفة.
3- من حيث تنمية قدرات التلميذ:
يمكن للمدرس أن يؤدي عدة أدوار تساعد في تنمية التلميذ كالآتي:
أ) تدريب التلاميذ على كيفية التعلم:
الخدمات الإرشادية سابقا كانت تهدف إلى إكساب التلاميذ المعرفة عن طريق المدرس، وهذه الخدمات وحدها لا تكفي لإعداد التلاميذ؛ في ظل ظاهرة الانفجار المعرفي والعولمة، بل أصبحت الأولوية الآن تدريب التلاميذ على كيفية التعلم مدى الحياة (التعلم الذاتي) فإذا ما اقتنع المدرس بهذا التوجه فإنه يوفر الفرص للتلاميذ؛ لاستيعاب المعرفة والخبرات والمهارات(بطريقتهم الخاصة) ثم يتم تعميقها وتوظيفها.

ب) مساعدة التلاميذ على اكتشاف وتنمية ذواتهم:

ويتم ذلك عن طريق إتاحة الفرص للتلاميذ لاكتشاف ميولاتهم وقدراتهم والتعبير عن آرائهم واهتماماتهم، واتخاذ القرارات المناسبة والمقارنة بين بدائل ممكنة واختيار بديل أفضل ومناسب، مع تنمية الشعور بالمسئولية الفردية تجاه كل ما سبق، ثم التقويم الذاتي.

جـ) مساعدة التلاميذ على المشاركة والتعاون ومعرفة الآخر:

الخدمات الإرشادية هنا توجه لتبصير المدرس بأهمية إثراء المشاركة الاجتماعية بين التلاميذ في الألعاب والأنشطة، وتنمية المسئولية الاجتماعية، و الحوار بين التلاميذ أنفسهم، وبينهم وبين أفراد آخرين خارج الفصل وخارج المدرسة، وتنمية الرغبة في مشاركة الآخرين من خلال دور القيادة داخل الفصل أو أثناء أداء نشاط ما، ومن خلال المشروعات التي تتم داخل الفصل والمدرسة. وقد تتم المشاركة من خلال تعلم اللغات أو الانفتاح على وسائل الاتصال و التواصل.
د) تركيز المدرس على سرعة نمو التلاميذ وإيجابياتهم:
الخدمات الإرشادية هنا توجه لتبصير المدرس بأنه لم يعد من المقبول في عصر المعلوميات و العولمة الاستمرار في تضخيم سلطته وصرامة نظم الإشراف والتقويم، ولكن لكي نضمن إعداد تلميذ إيجابي، فعلى الأستاذ الاقتناع بممارسة الأنماط السلوكية الآتية:
(1) معرفة ماذا يستطيع التلميذ أن يفعله بدلا من التركيز على ما لا يستطيع أن يفعله.
(2) مساعدة التلاميذ على ممارسة النقد الذاتي وتقبل نقد الآخرين.
(3) التركيز على فهم التلميذ أكثر من التركيز على إصدار أحكام عليه.
(4) تجنب إصدار التعميمات على سلوك التلاميذ ومستواهم التحصيلى من مجرد ملاحظة حالات فردية.
(5) التركيز على المشاركة والتعاون بدلا من السيطرة والسلطة.
(6) التوسع في ممارسة أساليب التعلم الذاتي.
(7) إتاحة فرص استخدام تكنولوجيا المعلومات بالقدر الذي يتناسب مع خصائص الطفل أو خصائص المراهق.
(8) اكتشاف وتنمية الإبداع والابتكار لدى التلاميذ.
هـ) التأكيد على القيم الدينية والأخلاقية:
الخدمات الإرشادية الموجهة هنا تؤكد على أن القيم الدينية والأخلاقية رغم أنها مطلب تربوي وأخلاقي منذ أقدم العصور في تنشئة الطفل، إلا أن الحاجة إليها الآن أصبحت أكثر إلحاحا في ظل الصراع المستمر بين فكر وسلوكيات عصر المعلومات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية من ناحية، وبين فكر وسلوكيات الدين والأخلاق والعادات والتقاليد من ناحية أخرى، فلا يكفي أن يحصل الطفل المعرفة وأن يكون لديه القدرة والخبرة على ممارسة أفعال معينة، ولكن يلزمه هو معرفة حدوده من هذه المعرفة. ويتم ذلك في ظل مبدأ الحقوق والواجبات ومبدأ الممكن و المستحيل، وتعلم ماذا يشبع الآن وماذا يتم إرجاءه، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تنمية وممارسة القيم الدينية والأخلاقية مثل: العدل والمساواة والتعاون والاحترام، وإكساب الطفل قيما جديدة مرتبطة بالمحافظة على البيئة واستخدام التكنولوجيا.
و هذا ما أكدنا عليه في الفصل الثالث من كتابنا {التربية و التنمية و تحديات المستقبل} في الفصل المتعلق ب :المدرسة المغربية و التربية على القيم، بقولنا ″إن أزمة القيم تعد من السمات الواضحة في العصر الحاضر، نتيجة لطغيان المادة على ما حولها من قيم و مبادئ، فالتقدم الباهر الذي وصل إليه الإنسان لم يحقق له التوازن النفسي الذي يبتغيه، بل إنه ساعد على اهتزاز القيم وضحالتها بداخله فأصبح كل ما يهمه المادة فحسب، فهو لا يرى إلا ذاته، ولا يسمع إلا صوته. ونتيجة لهذا ضعفت القيم التي تحافظ على الترابط الاجتماعي، مما أدى إلى تفشي مشاكل اجتماعية كثيرة مثل الانحراف وتعاطي المخدرات بكل أنواعها، وتفكك الأسر نتيجة الطلاق والأمية والبطالة وطغيان أسلوب العنف، ومشاكل أخرى كالتشرد والتسول والعدوانية والفردانية، لأن الأفراد أصبحوا لا يهتمون إلا بما يخدم مصالحهم الشخصية، وكذا الغش والرشوة والمحسوبية.″[5]
و يلعب المدرس بجانب الأسرة ومؤسسات المجتمع الأخرى الدور الأكبر في تحقيق هذا الهدف الأخلاقي، على أن يكون التعلم والتعليم في هذا الجانب بالأفعال لا بالأقوال. ويكفي أن نعرف مدى المخاطر التي تنتج من مدرس يؤدي وظيفته دون الالتزام بقيم دينية وأخلاقية، ومن هذه المخاطر: تجرد الطفل من القيم وتشكيل سلوكه في ضوء المنفعة والاحتمالات والمتناقضات والتشويش والتردد و الفردانية.
الهدف الثاني: تدريب المدرس على تقييم حالة التلميذ
الخدمات الإرشادية في هذا الجانب موجهة إلى تدريب المدرس على كيفية تقييم حالة التلميذ في الجوانب الآتية:
- تقييم المستوى التحصيلي للتلميذ.
- تقييم القدرات العقلية للتلميذ.
- تقييم كفاية حواس التلميذ.
- تقييم الخصائص والكفاية الجسمية للتلميذ.
-تقييم مدى إيجابية التلميذ في الفصل الدراسي، واشتراكه في الأنشطة الفصلية والمدرسية.
-تحديد مشكلات التلميذ المتعلقة بالتعليم مثل: صعوبة الانتباه، وبطء التعلم، وصعوبات التعلم، والهروب من المدرسة ... الخ.
-تحديد مشكلات التلميذ السلوكية مثل: العدوان والتخريب والسرقة والكذب.
-تحديد مشكلات التلميذ الانفعالية مثل: مخاوف المدرسة، والقلق والغيرة، واللامبالاة ... الخ.
-تحديد مواطن القوة والضعف عند التلميذ.
-تقديم توصيات بشأن طلب الخدمات وتحديد نوع الخدمات هل هي أسرية؟ أو تعليمية؟ أو إرشادية؟
المجال الثاني: تعاوني
يؤدي المدرس وظيفة التدريس ويكون تركيزه في المقام الأول على التحصيل الدراسي. وهذا ما يعرف بدوره الأكاديمي، وبجانب هذا الدور توجد أدوار أخرى يمكن له أن يؤديها ومنها الدور الإرشادي، وفي هذا الاتجاه وجدت آراء تنادي بضرورة إعادة تأهيل المدرس لأداء دور المرشد النفسي في المدرسة، حيث يتلقى دراسة نظرية في الإرشاد النفسي، ثم يتم تدريبه على أدوات ووسائل وطرق الإرشاد، ومن خلال أدواره الإضافية يمكن تحقيق برامج التربية وبرامج الإرشاد معا، طالما أن الهدف النهائي هو تحقيق النمو المتكامل للتلميذ وتحسين العملية التعليمية وتحقيق التوافق والصحة النفسية. وفي ضوء ما عرضناه سابقا عن أدوار المرشد النفسي المدرسي، ومستويات الإرشاد النفسي المدرسي، نؤكد مرة أخرى أن إعداد المدرس لا يؤهله لأن يخطط ويؤدي أدوار إرشادية بمفرده، ولكن لابد وأن يؤدي هذه الأدوار في ضوء توجيهات المرشد النفسي أو في ضوء برنامج إرشادي مخطط من قبل المرشد النفسي المدرسي (راجع مستويات الإرشاد النفسي المدرسي).

4.أدوار المدرس في الإرشاد النفسي المدرسي

تتحدد مهام المدرس العادي في البرنامج الإرشادي في ضوء اعتبارين مختلفين:
الاعتبار الأول: أن العلاقة بين المدرس والتلميذ علاقة خاصة؛ نظرا للفترة  الزمنية التي يقضيها الطرفان معا داخل الفصل أو خارجه.
الاعتبار الثاني: أن إعداد المدرس مهنيا يختلف عن إعداد المرشد النفسي المدرسي.
ويترتب على الاعتبارين السابقين أن المدرس بحكم إعداده المهني يركز اهتمامه على التحصيل الدراسي في المقام الأول، وفي ضوء ذلك فإن دوره في الإرشاد النفسي المدرسي يتحدد في أربعة مجالات (راجع مستويات الإرشاد النفسي المدرسي) . وهي كالآتي:
المجال الأول: تقديم المشورة:
في هذا الجانب يقدم المدرس المشورة باعتباره عضوا من أعضاء هيئة التدريس المختصة بتقديم الخدمات التربوية، وفي هذه الحالة يمكن للمدرس تقديم الخدمات التالية:
1-التخطيط للأنشطة التي تستثمر وقت التلاميذ وتعبر عن ميولاتهم واهتماماتهم.
2-المشاركة في تقويم التلميذ تحصيليا ونفسيا وسلوكيا.
3-المشاركة في تجهيز السجلات الخاصة بكل تلميذ.
4-التواصل مع أسرة التلميذ وتبادل المعلومات معهم.
5-تنمية العادات الصحية والسلوكيات المرغوبة وتعديل العادات أو السلوكيات غير المرغوبة.
6-المساعدة في تحقيق التوافق الدراسي والنفسي للتلاميذ.
7-تقديم المشورة للعاملين على خدمة التلميذ بالمدرسة من داخل خلية اليقظة بشأن إحالة التلميذ، أو تقديم خدمة من نوع ما إليه داخل المدرسة أو خارجها بمساعدة الوالدين.
المجال الثاني: تحقيق أهداف إرشادية من خلال العلاقة المباشرة بالتلاميذ:
يمكن للمدرس أن يؤدي عدة أدوار من خلال علاقته المباشرة بالتلاميذ داخل الفصل أو خارجه، ومن خلال هذه الأدوار يمكن تحقيق أهداف إرشادية، ومن أهم هذه الأدوار:
1-بحكم واقع المدرس في العملية التعليمية، وتفاعله المباشر مع التلاميذ؛ يستطيع التعرف على التلاميذ من حيث خصائصهم واستعداداتهم واتجاهاتهم وآمالهم، كما أنه يستطيع التمييز بين السلوك العادي والسلوك غير العادي والقدرات المتميزة والقدرات العادية والقدرات المنخفضة، ومن أمثلة ذلك: يستطيع المدرس في مجال التحصيل الدراسي التمييز بين التلميذ المتأخر دراسيا والتلميذ العادي والتلميذ المتفوق دراسيا، وفي مجال الحركة والنشاط يستطيع التمييز بين التلميذ المتبلد والتلميذ النشيط والتلميذ مفرط الحركة والنشاط، وفي مجال التوافق النفسي يستطيع التمييز بين التلميذ المنطوي والتلميذ المتعاون والتلميذ العدواني .. وهكذا.
2-من خلال التفاعل المستمر بين المدرس والتلاميذ؛ يمكن القيام بملاحظة التلاميذ وتحديد مشكلاتهم والاجتهاد في معرفة أسباب هذه المشكلات. ثم تقديم المساعدة للتلاميذ من خلال المواقف داخل الفصل أو تقديم المساعدة لباقي أعضاء هيئة التدريس، ومدير المدرسة والمرشد النفسي المدرسي، أو تقديم المساعدة لأفراد الأسرة، والمساعدة التي يقدمها قد تتم من خلال الخبرات الشخصية والمهنية التي اكتسبها من خلال عمله بالتدريس، أو قد تتم من خلال تدريبه على البرامج الإرشادية النمائية والوقائية والعلاجية.
3-من خلال التعلم بالنموذج ولعب الأدوار يمكن للمدرس أن يكسب تلاميذه خصائص إيجابية مثل: الثبات الانفعالي، والعدالة والديمقراطية والتعاون، كما يمكنه أن يؤدي دور القائد والمسئول الذي يرفض التهديدات والتحكم الاستبدادي مع المرونة في إصدار الأحكام وتقبل أخطاء الغير، طالما أن هذا الخطأ قد نتج عن عدم الإلمام بالمعلومات الكافية عن الموضوع، أو أن الفرد الذي أخطأ ليس لديه بدائل أخرى، أو أن هناك عوامل خارجية هي المسئولة عن هذا الخطأ ويصعب التحكم فيها.
4-من خلال هذه النماذج وغيرها يمكن للمدرس إقامة علاقات مع التلاميذ والمساعدة على إقامة علاقات بين التلاميذ وبعضهم البعض، وتوظيف ذلك في توجيه نمو التلاميذ، ومساعدتهم على تحقيق الذات وتقوية الشعور بالانتماء للفصل والمدرسة، وحل مشكلات اجتماعية مثل العزلة الاجتماعية، أو سلوكية مثل السلوك العدواني.
5-من خلال إدارة المدرس للفصل، يمكن أن يحقق الكثير من الأهداف التي يسعى الإرشاد النفسي إلى تحقيقها على المستويات الثلاثة (النمائي، الوقائي، العلاجي)، بجانب الأهداف المعرفية والسلوكية والوجدانية المرتبطة بالدرس.
ومن الأهداف الإرشادية التي يمكن أن يحققها المدرس:
(أ)إشراك التلاميذ في المناقشة؛ حتى يصبحوا مشاركين نشيطين فاعلين، وهذا يتطلب زيادة وعي التلاميذ بدورهم كمتعلمين وبدور الأستاذ كقائد لهم.
(ب)عند إحجام التلاميذ عن المشاركة لا يفضل إجبارهم على ذلك، سواء بالتهديد أو العقاب، لأن التلميذ عندما يشعر أنه مهدد أو أنه يعمل تحت ضغط ما. فإنه يلجأ إلى أساليب دفاعية لحماية الذات، وفي النهاية لا يكون لديه رغبة في المشاركة، ولكن المطلوب هنا من المدرس استخدام أساليب أخرى إيجابية مثل: التشجيع، وإعطاء الفرصة، والتركيز على إيجابيات التلميذ الأخرى وهكذا، حتى يتم التخلص من الظروف أو العوامل التي تؤدي إلى السلوك الدفاعي.
(جـ) إذا استطاع المدرس أن يقيم علاقة إنسانية مع التلاميذ ولكن في حدود العلاقة المهنية، وإذا استطاع أن يكون حازما ولكن في ود: أي إذا استطاع أن يضع الحدود ويلتزم بها بحيث يمكنه أن يدير الفصل في ضوء الاعتبارات المهنية والإنسانية معا. فهو بذلك يعمل على إيجاد بيئة فصل إيجابية تساعده على أداء وظيفته بكفاية من ناحية، وتنفيذ البرامج الإرشادية التي يكلف بها من ناحية أخرى.
المجال الثالث: توظيف مادة التخصص لتحقيق أهداف إرشادية:
يمكن للمدرس توظيف مادة تخصصه لتحقيق أهداف إرشادية، في ضوء البرنامج الإرشادي المعد مسبقا من قبل المرشد النفسي، ويمكن أيضا للمدرس أداء هذه المهمة دون أن تكون وفق خطة إرشادية. ويلاحظ أن تحقيق الأهداف الإرشادية يتوقف على طبيعة المادة وكفايات المدرس.
وفي هذا الجانب نعرض أمثلة لبعض الأهداف الإرشادية التي يمكن تحقيقها عن طريق توظيف مادة التخصص، ونعرض لكل مادة على حدة كالآتي:
1-الأنشطة المدرسية:
يمكن توظيف الأنشطة المدرسية في علاج الكثير من الاضطرابات الانفعالية والمشكلات السلوكية والمشكلات المرتبطة بالتعلم مثل: التأخر الدراسي، وتختلف الأنشطة المدرسية باختلاف طبيعة المادة ونوع الدرس، ومن أنواع الأنشطة المدرسية:
(أ) صحيفة الفصل:
تعبر هذه الصحيفة عن الفصل بوصفه مجتمعا صغيرا له أخباره و نشاطاته، ويختار الفصل لصحيفته اسم خاص، ويقوم بإعدادها مجموعة من تلاميذ الفصل وتتاح لكل تلميذ المشاركة فيها بالرسم أو الخط أو موضوعات فنية أو كتابة مقال أو قصة .. الخ.
(ب) صحيفة المدرسة:
تعبر هذه الصحيفة عن المدرسة، ويتولى تحريرها جماعة الصحافة من تلاميذ المدرسة وقد يشترك معهم بعض المدرسين، وتتسع لعرض موضوعات وأنشطة أكثر من صحيفة الفصل، فتعرض الجديد من التجارب والبيانات، وفيها مجال للكشف عن ميول واتجاهات التلاميذ، وكذلك يوجد بها مجال لإظهار النمو اللغوي، وبشكل عام تربط هذه الصحيفة بين المدرسة والحياة.
(جـ) الإذاعة المدرسية:
     تحقق الإذاعة المدرسية أهدافا تربوية كثيرة للتلاميذ، فهي تساعد على العمل الجماعي والتخلص من الضيق والملل، وتعطي فرصة لاكتشاف وتنمية المواهب في المجالات العملية واللغوية، وتعمل على تنمية الوعي، وربط المدرسة بالمجتمع. ومن خلال الأنشطة المدرسية يتم تنمية الثقة بالنفس والتخلص من المواقف التي يتعرض فيها التلميذ للإحراج والخجل والشعور بالنقص، وتعمل على زيادة ولاء التلميذ للفصل والمدرسة والمجتمع، كما أنها تكشف عن المواهب لدى التلاميذ وتنميها.
2- اللغة العربية والدين في المدرسة الإبتدائية
من خلال دراسة بعض الشخصيات في موضوعات القراءة أو النصوص أو الشعر؛ يمكن للتلاميذ معرفة الظروف التي عاشت فيها هذه الشخصيات ومدى تحملها لمصاعب الحياة والظروف الاقتصادية والاجتماعية المنخفضة؛ ومع ذلك تحملوا قدرا كبيرا من هذه الظروف، ومن خلال توظيف مجهودهم وقوة إرادتهم؛ استطاعوا أن يصلوا إلى الشهرة والتفوق والتميز، ودراسة مثل هذه الشخصيات تؤثر إيجابيا على نوعية من التلاميذ ومن أمثلة ذلك الذين يشعرون بالنقص وفقد الأمل نتيجة لظروفهم، والذين يضيعون وقت الدراسة، وكذلك التلاميذ اللذين يعانون من الاضطرابات الانفعالية.
يمكن من خلال موضوعات الدين، إكساب التلاميذ القيم والمبادئ الدينية، على أن يترجم ذلك في سلوك يومي؛ نظرا لأن الطفل في المرحلة الابتدائية لم يكتسب بعد المفاهيم المجردة، أما التمييز الفعلي بين الصواب والخطأ فإنه يبدأ في نهاية العام الخامس وخلال العام السادس؛ لأنه مرتبط بنمو الأنا الأعلى، وهذا يؤكد على خطورة إكساب الطفل أنماطا سلوكية غير مرغوبة قبل السادسة، وخلال السنوات الأولى من التعليم الابتدائي. وتتحقق وظيفة الإرشاد هنا في ربط السلوك بتعاليم الدين، والتأكيد على القدوة الحسنة، والتركيز على الأعمال أكثر من الأقوال.
يمكن تنمية التذوق الحسي والجمالي لدى التلاميذ من خلال الأدب والشعر، ومن خلال هذا التذوق يمكن علاج الكثير من الاضطرابات الانفعالية وتحسين العلاقات الإنسانية. من أمثلة ذلك: يمكن علاج مشكلة الانطواء عن طريق إشراك التلميذ في أعمال مسرحية، أو إلقاء الشعر، وبذلك يشعر التلميذ بذاته وبمكانته ودوره البارز وتقبل الآخرين له فيتغلب على مشكلة الانطواء.
3-العلوم:
يعمل مدرس العلوم على توجيه التلاميذ (داخل الفصل وخارجه) إلى ممارسة العادات الصحية وترك العادات السيئة عند تناول الغذاء والماء وارتداء الملابس وإلقاء الفضلات والأوراق في صناديق القمامة، و الجلسة الصحية في الفصل وفي المنزل، ويتحقق ذلك من خلال المناسبات والمواقف المستمدة من الحياة الواقعية للتلاميذ في الفصل وفي المدرسة وبجوار المدرسة، أو رؤية تلميذ يترك جرحه دون تطهير أثناء اللعب، وتتحقق وظيفة الإرشاد هنا في إكساب التلميذ عادات سليمة.
و عند إعطاء دروس العلوم في المعامل، فإن هذا الموقف من شأنه أن يقوي التواصل بين المدرس والتلاميذ وأيضا بين التلاميذ وبعضهم البعض، حيث يتم تكوين جماعات صغيرة في المعمل، وبجانب المعمل يمكن للتلاميذ أن يشتركوا في جمعية العلوم أو جمعية البيئة، أو القيام برحلة علمية، ومن خلال تقسيم العمل والمراحل التي يمر بها أي عمل من تخطيط وتنفيذ وتقويم ومتابعة؛ يكتسب التلميذ التفكير العلمي، كما يكتسب صفات مثل: الصبر وعدم اليأس وتقبل الفشل بجانب النجاح.
مشاهدة الطبيعة أو دراستها من خلال الوسائل التعليمية يكسب التلميذ حقائق علمية عن الظواهر الطبيعية، مثل: الأمطار و الزلازل، و زراعة المحاصيل في أوقات مختلفة ونشاط فلاحة الأرض وتربية الحيوانات ... الخ. ومن خلال هذه المواقف يتم تشجيع التلاميذ على الاتصال بالبيئة ومعرفة مشكلاتها وطرق حلها أو التعايش معها. وتتحقق مهمة الإرشاد هنا في تقوية علاقة التلميذ بالبيئة، وتقوية علاقة التلميذ بالله خالق هذه البيئة، ومعرفة أهم درس من دروس الحياة و الذي يعينه على التوافق النفسي والاجتماعي فيما بعد، وهو" أن الحياة ليست ثابتة بشكل مطلق أو متغيرة بشكل دائم ومستمر، ولكن يوجد الثبات مع التغير"، ونتعلم من هذا الدرس، كيف نغير ما يمكن تغييره وكيف نتوافق مع ما يصعب تغييره.
يمكن توظيف موضوعات العلوم في مساعدة التلاميذ الذين يعانون من سوء التغذية في حل مشكلتهم وذلك من خلال: موضوع أعضاء الجسم و وظيفة كل عضو، و موضوع الفيتامينات وكيف نحصل عليها والأضرار المترتبة على نقصها، وموضوع الغدد في جسم الإنسان وأهميتها، وموضوع الطعام الصحي و طريقة تناول الطعام ... الخ.
الأنشطة المتعلقة بالعلوم مثل: عمل لوحات جماعية أو عمل بحث مشترك عن إنجاز علمي، يمكن توظيفها في علاج الكثير من المشكلات و الاضطرابات مثل الغيرة، والتجنب الاجتماعي والشعور بالنقص، كما تتيح الفرصة أمام التلاميذ للتعبير عن هواياتهم والتنفيس عن انفعالاتهم.
و معرفة الرياضيات ضرورية لفهم الأعمال المبنية على الكم و القياس، و من طبيعة الرياضيات أن المسائل تمثل تحديا للتلاميذ، لأنها تعتمد على عمليات عقلية متعددة، كما أن نتيجة العملية تظهر بسرعة فتحدث تغذية راجعة للنجاح أو الفشل في حل المسألة، كما أن طبيعة مادة الرياضيات تساعد في التقليل من فرص الفشل؛ لأنها مادة مثيرة وتجذب انتباه التلاميذ وتثير التحدي بينهم، وتعتمد طريقة تدريسها على عرض الأمثلة والمناقشة، و المحاولة و الخطأ، والتغذية الراجعة.
الخصائص السابقة يمكن توظيفها لتحقيق أهداف إرشادية متعددة ونعطي أمثلة على ذلك:
أ-إذا وجد تلميذ منطوي ولديه سلوك التجنب الاجتماعي يمكن إشراكه في حل المسائل وإعطائه فرص المحاولة، مع إثارة انتباهه قبل الدرس وتبصيره بأهمية الدرس، ثم البدء بالمسائل التي يستطيع حلها ليكتسب ثقة بنفسه ثم بالتدرج نصل إلى المسائل الصعبة التي يجد فيها التحدي والتفكير؛ وبهذه الإجراءات تزداد ثقة التلميذ بنفسه و يكتسب أيضا مهارات التفاعل مع الآخرين و التعامل مع المواقف الصعبة.
ب-إذا وجد تلميذ لديه مشكلة التأخر الدراسي في مادة الرياضيات نتيجة لطريقة تدريس المادة، أو أن التلميذ لديه اتجاهات سلبية نحو مادة الرياضيات، فإن الإجراءات المتبعة لحل المشكلة تكون في اتجاهين.
الاتجاه الأول: يعتمد على توضيح أهمية المادة في حياتنا اليومية من بيع وشراء وسفر وحساب الزمن، ثم العمل على إثارة اهتمام التلميذ، وعرض المسائل السهلة ثم الصعبة ... الخ.
الاتجاه الثاني: يعتمد على تغيير طريقة التدريس، فبدلا من طرح رموز وأرقام مجردة، يمكن توضيح هذه الرموز والأرقام وكذلك العمليات المطلوبة في قصة.
5- التربية الرياضية:
نظرا لأن طبيعة التربية الرياضية ممارسة الألعاب خارج الفصل الدراسي؛ فهي تساعد على أن يمارس التلميذ اللعب بحرية وانطلاق، مع الالتزام بقواعد اللعبة والالتزام بدوره في اللعب، ومن خلال هذه الخصائص وغيرها يمكن تحقيق الكثير من أهداف الإرشاد النفسي، ومن هذه الأهداف:
-التنفيس الانفعالي والتعبير عن الحاجات.
-التأكيد على أهمية الأداء الجماعي.
-تنمية روح المنافسة الشريفة.
-اكتشاف استعداد التلميذ لأن يكون قائدا، ثم تنمية ذلك الاستعداد بممارسات سلوكية فعلية.
-تدريب التلميذ على كيفية التصرف في المواقف والبحث عن بدائل أخرى.
-تصحيح الأخطاء أولا بأول.
-علاج بعض المشكلات السلوكية مثل السلوك العدواني والاضطرابات الانفعالية مثل الخوف المرضي وتجنب الآخرين.
-علاج بعض المشكلات المتعلقة بالصحة والتعب والبرد وفقد الشهية والتعرض للإصابة ونقص الانتباه .. الخ.
6- التربية الموسيقية:
     تعتمد الموسيقى على حاسة السمع، وإن كان التأثر بها يمكن أن يتم عن طريق الجهاز العصبي؛ لأن الذبذبات الصوتية ذات تأثير خاص على الجهاز العصبي.
ويمكن عرض أهم الوظائف التي تحققها الموسيقى كالآتي:
     ليس الهدف من التربية الموسيقية معرفة قواعدها وأصولها أو الاستمتاع بها فقط، ولكن الهدف الأكبر منها هو ما تؤدي إليه من تهذيب للنفس وتربية الحس الجمالي والأخلاقي والاجتماعي، أي النظر إلى الفرد نظرة كلية. لذلك نجد " بستالوزي " Pistalutsi (المربي السويسري) ينادي بضرورة الموسيقى لتكوين الشخصية المتسقة، بينما ينادي "فروبل" Froble (المربي الألماني) بجعل الموسيقى، والفنون التشكيلية محورا لتكوين الطفل في المرحلة الأولى من حياته التعليمية، وبطريقة الإيقاع الحركي لدالكروز Dalcroze (الموسيقى والمربي السويسري).[6] نجد أنه قد أحيا المثل الأفلاطونية، وجعل عنصر الإيقاع بمثابة تيار لتنمية التناسق، والتوازن النفسي والعضلي، عن طريق الحركات الإيقاعية.
وفي موضع آخر يؤكد " دالكروز" أيضا أن الموسيقى هي الوسيلة الوحيدة المؤكدة لتعبئة القوى الحيوية لأي بلد، ولذلك يلزم وجودها كمادة إجبارية في المدارس ويجب أن تعطى في ضوء قدرات كل طفل فيكون الاهتمام بالطفل صاحب الموهبة الموسيقية المتوسطة، أما الطفل صاحب الموهبة النادرة والمرتفعة فيوجه له اهتماما خاصا[7].
أما "زولتون كوداي"Zolltan Koday (1882-1967)(المربي المجري) فإنه يرى أن الموسيقى كالهواء، وهي الأسلوب الفعال لتنمية الطفل كليا، لذلك يجب تنمية أسلوب الفنون منذ بداية مرحلة الحضانة، وقد ثبت أن الطفل الذي يدرس الموسيقى، ويمارسها بجانب دراسته العادية، يتفوق في غالبية المواد الدراسية على نظيره الذي لا يتلقى تعليما موسيقيا[8].


وظيفة التربية الموسيقى في تحسين النمو الحركي والإدراكي:
يساعد تنظيم النشاط الموسيقى الحركي على الحركة الجسمية وتسلسل الحركات كما يمكن تعليم الطفل المهارات الحركية الرقيقة والخشنة حتى يتسنى له السيطرة على جسمه بطرق مختلفة، ويمكن استخدام الموسيقى في تكامل الأنماط الحركية الأساسية باستعمال الحواس المختلفة، كأن يطلب من الطفل أن يقرع طبله وهو يمشي في دائرة، ويمكن تعليم الحركات الأساسية في حالتي السكون والحركة بمصاحبة الغناء أو الآلات الموسيقية أو الموسيقى المسجلة.
كما أن تعلم طرق العزف الصحيح يمكن أن يساعد على النمو الإدراكى الحسي، وضروب العزف المختلفة كالقرع والهز والتقوس والنفخ والتمريق (الضرب بغير انتظام على الأوتار الموسيقية) يمكن أن تزيد من مدى الخبرة الحركية والعضلية، وتحقيق التكامل بين الحواس أمر مطلوب لزيادة النمو الادراكي[9].
على سبيل الختم:
الأطفال عندما يأتون إلى المدرسة يكون لديهم معارف وخبرات ومهارات واتجاهات تترجم في أنماط سلوكية، قد تكون هذه الأنماط مقبولة أو غير مقبولة. ولما كان الطفل في حالة نمو مستمر فإن حاجاته للمعرفة والخبرة والمهارة مستمرة أيضا. كما أن الحاجة إلى تعديل الأنماط السلوكية غير المقبولة وتعزيز الأنماط السلوكية المقبولة، وإكسابه أنماطا سلوكية جديدة، أمر ضروري، في ضوء ما سبق يتضح أهمية الإرشاد النفسي في المدرسة بجانب التربية.
و في ضوء ما عرضناه من خطوات العملية الإرشادية، يمكن وضع تصور لأدوار المدرس الممكنة مع مراعاة إعداده و تكوينه، وأدواره الأكاديمية الأساسية، والوقت الذي يمكن تخصيصه للتعاون مع المرشد النفسي.
1-الاهتمام بالمشـكلات التي تظهر له داخل الفصل الدراسـي من خـلال تفاعله مع التلاميذ، وأيضا الاهتمام بالمشكلات التي يبلغ عنها التلميذ بنفسه أو أحد أفراد فريق العمل في المدرسة أو الوالدين.
2-إحالة المشكلة إلى الأخصائي النفسي، الأخصائي الاجتماعي، أو المرشد النفسي المدرسي.
3-المساعدة في تطبيق أدوات جمع المعلومات على التلميذ (صاحب المشكلة) والتي طلبها المرشد النفسي المدرسي، والأدوات هي: الملاحظة، المقابلة، الاختبارات النفسية، دراسة الحالة، وذلك من أجل تقييم مشكلة التلميذ وتقييم التلميذ نفسه لمعرفة جوانب القوة والضعف لديه، وطريقة عزو أسباب المشكلة، هل يرجعها لأسباب شخصية .. أو يرجعها لأسباب بيئية، ويشمل التقويم أيضا تحديد البيئة التي حدثت فيها المشكلة.
4-في حالة الاتفاق على إحالة التلميذ إلى جهة خارجية يكون من أدوار المدرس كتابة التقارير التي تطلب منه والتي تحدد درجة توافق التلميذ الدراسي والنفسي أثناء تطبيق البرنامج وبعد تطبيقه.
5-في حالة الاتفاق على حل مشكلة التلميذ داخل المدرسة (خاصة داخل الفصل الدراسي). يتم التخطيط للأدوار المقترحة التي يقوم بها المدرس في ضوء خطة الإرشاد (العملية الإرشادية).
6-يساعد المدرس في تحديد الأهداف الإرشادية المطلوب تحقيقها، ويمكن له أن يوضح للمرشد النفسي الممكن تحقيقه من هذه الأهداف في ضوء معرفته بالتلميذ وظروف العمل بالمدرسة.
7-في ضوء تحديد الأهداف الواقعية والتي يمكن تحقيقها، يمكن للمدرس تقديم المشورة للمرشد النفسي في اختيار وسيلة الإرشاد المناسبة وطريقة الإرشاد المناسبة، والإجراءات التي يمكن اتباعها والفترة الزمنية التي يمكن تخصيصها يوميا أو أسبوعيا لتنفيذ البرنامج.
8-الاشتراك مع المرشد النفسي في التقويم النهائي والذي يشمل:
-التوافق النفسي والاجتماعي للتلميذ.
-درجة تحسن التحصيل الدراسي.
10-الاشتراك مع المرشد النفسي في تحديد المهام المطلوب اتباعها وتنفيذها مستقبلا من التلميذ ومن المدرس، وأيضا من زملاء الفصل والوالدين....
المراجع
.1محمد أحمد سعفان، الإرشاد النفسي للأطفال، جـ2، دار الكتاب الحديث، القاهرة،2001.
.2الصديق الصادقي العماري، التربية والتنمية وتحديات المستقبل، مقاربة سوسيولوجية، مطبعة بنلفقيه، الرشيدية، المغرب، .2013
.3إكرام مطر، أميمة أمين، الطرق الخاصة في التربية الموسيقية، الجهاز المركزي للكتب الجامعية والمدرسية والوسائل التعليمية،القاهرة، 1976.
4.Brocklehursi,T.Brain,Response To Music Principle of Music Education,London:Routledge, Paul,1974.
.5محمد أحمد سعفان،العلاقة بين الإبداع  الفني  وبعض متغيرات الشخصية لدى المكفوفين، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة الزقازيق،1991.
.6فاندا ويدنباخ، استخدام الموسيقى في تعليم صغار الأطفال الصم، العمى ذو العاهات المتعددة، ترجمة، أمين شريف، مجلة مستقبل التربية، العدد4، مركز مطبوعات اليونسكو،القاهرة، 1981.
.7سهير كامل أحمد، التوجيه والإرشاد النفسي، مركز الإسكندرية للكتاب، 2000



[1] الصديق الصادقي العماري، التربية والتنمية وتحديات المستقبل، مقاربة سوسيولوجية، مطبعة بنلفقيه، الطبعة1، الرشيدية،المغرب، 2013، ص26.
[2]محمد أحمد سعفان، الإرشاد النفسي للأطفال، دار الكتاب الحديث،القاهرة ، 2001، ص46
[3]سهير كامل أحمد، التوجيه و الإرشاد النفسي، مركز الإسكندرية للكتاب، 2000، ص 7.  
[4] سهير كامل أحمد، المرجع السابق،ص 9-8
[5]الصديق الصادقي العماري، التربية والتنمية وتحديات المستقبل، مقاربة سوسيولوجية، مطبعة بنلفقيه، الرشيدية ،المغرب، 2013، ص .84
[6] إكرام مطر، أميمة أمين. الطرق الخاصة في التربية الموسيقية، الجهاز المركزي للكتب الجامعية والمدرسية والوسائل التعليمية، القاهرة، 1976، ص11
[7] Brocklehursi , T. Brain, Response  To Music Principle of Music Education, London : Routledge, Paul,  1974 .p 54
[8]محمد أحمد سعفان، العلاقة بين الإبداع  الفني  وبعض متغيرات الشخصية لدى المكفوفين، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة الزقازيق،1991.ص .63
[9] فاندا ويدنباخ، استخدام الموسيقى في تعليم صغار الأطفال الصم، العمى ذو العاهات المتعددة، ترجمة أمين شريف، مجلة مستقبل التربية، العدد 4، مركز مطبوعات اليونسكو،القاهرة، 1981، ص 119.
.....................................
مصدر المقال:
 الصديق الصادقي العماري، المدرس ونظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي، مجلة كراسات تربوية، العدد1، مطبعة بنلفقيه، الرشيدية، المغرب، 2014، ص ص: 76-53.

تعليقات

  1. يمكن من خلال موضوعات الدين، إكساب التلاميذ القيم والمبادئ الدينية، على أن يترجم ذلك في سلوك يومي؛ نظرا لأن الطفل في المرحلة الابتدائية لم يكتسب بعد المفاهيم المجردة، أما التمييز الفعلي بين الصواب والخطأ فإنه يبدأ في نهاية العام الخامس وخلال العام السادس؛ لأنه مرتبط بنمو الأنا الأعلى، وهذا يؤكد على خطورة إكساب الطفل أنماطا سلوكية غير مرغوبة قبل السادسة، وخلال السنوات الأولى من التعليم الابتدائي. وتتحقق وظيفة الإرشاد هنا في ربط السلوك بتعاليم الدين، والتأكيد على القدوة الحسنة، والتركيز على الأعمال أكثر من الأقوال.

    ردحذف
  2. يمكن توظيف موضوعات العلوم في مساعدة التلاميذ الذين يعانون من سوء التغذية في حل مشكلتهم وذلك من خلال: موضوع أعضاء الجسم و وظيفة كل عضو، و موضوع الفيتامينات وكيف نحصل عليها والأضرار المترتبة على نقصها، وموضوع الغدد في جسم الإنسان وأهميتها، وموضوع الطعام الصحي و طريقة تناول الطعام ... الخ.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

سياسة النشر في مجلة كراسات تربوية-المغرب

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دعوة للنشر في مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة-المغرب العدد السابع(07) يناير 2022

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية: دورة تكوينية بالرشيدية حول علوم التربية والديداكتيك والتشريع التربوي من 8 أبريل إلى 15 أبريل 2018

المشاركات الشائعة

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم. ذ. الصديق الصادقي العماري

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لدى مربي مراكز حماية الطفولة/د. كوثر الشرادي

هندسة التكوين الأساسي للمدرسين و تمهين التعليم. د. محمد الدريج

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

النموذج التفاعلي في مجال التوجيه التربوي:أي دور لعناصر المحيط في بناء الاختيار الدراسي والمهني/ذ. مـحمد حابا

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

تمديد الإعلان عن طلبات النشر في مجلة كراسات تربوية، العدد (11) يونيو 2023

المشاركات الشائعة

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

هندسة التكوين الأساسي للمدرسين و تمهين التعليم. د. محمد الدريج

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لدى مربي مراكز حماية الطفولة/د. كوثر الشرادي

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

المشاركات الشائعة

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

سياسة النشر في مجلة كراسات تربوية-المغرب

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دعوة للنشر في مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة-المغرب العدد السابع(07) يناير 2022

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية: دورة تكوينية بالرشيدية حول علوم التربية والديداكتيك والتشريع التربوي من 8 أبريل إلى 15 أبريل 2018