أعداد مجلة

 مجلة كراسات تربوية
-المدير ورئيس التحرير: الصديق الصادقي العماري
-البريد الإليكتروني
Majala.Korasat@gmail.com
-رقم الهاتف
212664906365+
-الإيداع القانوني:2016PE0043 : Dépôt Légal
-ردمد: 9234
-2508: ISSN

..........................
مطبعة بنلفقيه، الرشيدية
تقديم
لقد شكل تعميم التعليم أو التعليم للجميع أو إلزامية التعليم أحد الأهداف التي أولها المغرب أهمية قصوى منذ الاستقلال إلى الآن، فوضعت لها مخططات خماسية، ونظمت منتديات للإصلاح، تحت شعارات: الجودة والقرب والجهوية، بل شكل التعميم، الدعامة الأولى في ميثاقنا الوطني للتربية والتكوين، إلا أنه ورغم كل هذه الشعارات فإن الهدر المدرسي الذي تزيد نسبته بالوسط القروي، يحول دون بلوغ الحاجيات المتزايدة لنظامنا التربوي في الآجال المناسبة.
فالانقطاع عن الدراسة أو التسرب الدراسي وعدم الالتحاق بالمدرسة وكل ما يدخل في إطار الهدر المدرسي من مادي ومعنوي وبشري يظهر فشل المنظومة التربوية في تحقيق تربية وتعليم وتكوين مناسب. وكيفما كان التصور الذي نعطيه لهذه الظواهر، فإننا يجب أن نعترف أننا أمام ظاهرة تؤرق المجتمعات العربية بشكل عام. فهي تحمل كل مقومات الفشل سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع. وهي من العوامل القادرة على شل حركة المجتمع الطبيعية وتقهقره عائدة به إلى عتمة الجهل والتخلف والانعزالية بعيدا عن نور التطور ومواكبة لغة العصر في التقدم والانفتاح.
غير أنه رغم أن العقد المخصص لإصلاح منظومة التربية والتكوين في بلادنا قد ولى وانتهى، وعلى الرغم من الطابع الطموح للتوجهات التي نص عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبالرغم من القيم المثلى والمبادئ الفضلى التي تدعو إليها المدرسة المغربية، من خلال مضامين البرامج الدراسية، ومن خلال الكتب المدرسية، التي تنادي بالانفتاح واحترام الغير وتبني قيم الحداثة وقيم الحق والواجب، فإن كل الدراسات والتقارير التشخيصية التي أنجزتها مؤسسات وطنية ودولية مختصة تجمع على أن منظومتنا التربوية تعاني من اختلالات كبرى لا يتسع حيز هذه المداخلة  لسردها.
وتعد ظاهرة عدم التوافق الدراسي من بين الأسباب الحقيقية لعدم تحقيق مخرجات منظومتنا التربوية كما هو مطلوب وفق ما يتطلع إليه المجتمع محليا و إقليميا ودوليا، خاصة فيما يتعلق ببلوغ معدل التنمية الحقيقية للبلاد في أبعد تجلياتها بما يضمن اكتساب المتعلمين للكفايات الضرورية.
عدم التوافق الدراسي ظاهرة اجتماعية أساسها تربوية ونفسي وأسري واقتصادية وبيداغوجي، تتجلى في عدم انسجام بعض التلاميذ داخل المؤسسة التعليمية وعدم تكيفهم مع العملية التربوية بشكل عام. وقد لفتت هذه الظاهرة أنظار المربيين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس والإدارة المدرسية، و بذلك أصبحت تيمة وبرادغم حساس داخل النسق التربوي، فدرسوا أبعادها وأسبابها وطرق علاجها.
فلا يستطيع كل من مارس التعليم أن ينكر وجود هذه المشكلة، حيث يوجد مجموعة من التلاميذ يعجزون عن مسايرة بقية زملائهم في تحصيل واستيعاب المنهاج المقرر، وفي بعض الأحيان تتحول هذه المجموعة إلى مصدر إزعاج وقلق للأسرة والمدرسة معا والمجتمع كذلك، مما قد ينجم عنه اضطراب في العملية التعليمية وذلك لما يعانيه بعض التلاميذ من مشاعر النقص وعدم الكفاية والإحساس بالعجز عن مسايرة الزملاء، فيحاولون جاهدين التعبير عن هذه المشاعر السلبية بالسلوك العدواني والانطواء أو الهروب من المدرسة أو إزعاج الأساتذة، وبهذه الوسائل، فهم يحققون من خلالها حاجاتهم التي عجزوا عن تحقيقها في مجال المدرسة مثل الحاجة إلى تأكيد الذات والانسجام والتقدير وغيرها.
أما المواكبة التربوية كتدخل بيداغوجي مستند إلى تقنيات وإجراءات يمكن اتباعها داخل القسم وخارجه، لسد الثغرات ومعالجة الصعوبات، وتفادي الإقصاء وتعزيز فرص النجاح ومحاربة الفشل أو التسرب الدراسيين، تندرج ضمن مفهوم الدعم إلا أنها أكثر شمولية وأكثر تعقيدا، و ذلك لتداخل مجموعة من البنيات وتشابكها من أجل تحقيق أهداف جد فعالة.
عزيزي القارئ، لكل هذه الاعتبارات جاء موضوع العدد الأول من مجلة كراسات تربوية المحكمة بعنوان: إشكاليات التوافق الدراسي و برامج المواكبة التربوية، من أجل الوقوف على هذه الظاهرة والكشف عن أسبابها الرئيسية، وذلك من خلال تدارس جوانبها البيداغوجية والنفسية والاجتماعية، وصولا إلى الاستراتيجية المناسبة لمحاربة هذه المعضلة عبر اقتراح برامج المواكبة التربوية بما تحمل من معاني المرافقة و المتابعة. وقد جاء هذا العدد بعد التجربة المتواضعة التي قمنا بها في بداية الموسم الدراسي الحالي 2013/2014 حيث أصدرنا كتابا مشتركا، في شتنبر 2013 جمع إنتاجات مهنية لمجموعة من الأساتذة المتخصصين والمبدعين في علوم التربية بعنوان كراسات تربوية، وعندما نجحت الفكرة ولقيت إقبالا كبيرا عملنا على توسيع هذه التجربة وإنشاء مجلة محكمة لها لجنتها العلمية. ولم نقف عند حدود إصدار عدد في كل سنة بل شملت الفكرة القيام بمحاضرات وتكوينات ولقاءات صحفية ومناظرات وندوات علمية بالرشيدية وعلى المستوى الوطني... في إطار الشراكة أو التنسيق مع إطارات جمعوية وحكومية. لهذا ندعوا كل السادة الأساتذة المبدعين والباحثين... إلى المشاركة معنا في إنجاح هذه المبادرة سواء بدراساتهم وأبحاثهم أو بتعليقاتهم وملاحظاتهم التي ستزيد من قيمة وفعالية عملنا هذا سنة بعد أخرى، ومنبر مجلة كراسات تربوية مفتوح باستمرار للجميع بدون استثناء.
نتمنى أن يكون هذا العمل قيمة مضافة للتربية والتكوين المستمر.
 الصديق الصادقي العماري

المدير و رئيس تحرير 
من هنا 
..................................
 
مطبعة أفريقيا الشرق، الدار البيضاء
مجلة كراسات تربوية العدد الثاني 2016

تقديم

لا يمكن الحديث عن مدرسة النجاح في المستقبل٬ ما لم يتم استحضار التطور الحاصل في أدوار ووظائف وآليات اشتغال المدرسة٬ من خلال التعرف على سيرورات التحولات التي عرفتها وظائف وأدوار هذه المؤسسة في الماضي والحاضر. ففي الوقت الراهن تحولت هذه الوظائف من التلقين والحشو بالمعارف٬ إلى وظائف أكثر حيوية وتنوعا ودينامية٬ تتجه صوب إيجاد حلول لتحديات اكساب التلميذ مناهج وتقنيات تحصيل المعرفة والبحث٬ وتعزيز قدراته ومهاراته الحياتية٬ وتوسيع خبراته٬ إضافة إلى سعيها لتطوير جاهزيته للشغل وتحقيق الذات والعيش المشترك مع الأفراد داخل المجتمع.

لقد بدأ الرهان منذ بداية الإصلاح الأخير على العنصر البشري الذي يعتبر المشعل الذي ينير درب التنمية في المستقبل، فمتعلم اليوم هو مواطن الغد، وبذلك ركزت المدرسة المغربية كل أنشطتها واهتماماتها على هذا المتعلم وجعلته في قلب الاهتمام والتفكير والفعل، وجعلت كل الهياكل والبرامج والمشاريع في خدمته.

و في خطوة أخرى جريئة أعد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رؤية استراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين (2015-2030)، التي عملت على إرساء المجلس وانخراطه في سلسلة من الأعمال الرامية إلى تقييم حصيلة تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، واستشراف أفاق تأهيل وتطوير المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي.

كما عملت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني على إقرار التدابير ذات الأولوية المتمثلة في الإجراءات الإصلاحية، من خلال إصدار المذكرة الإطار 15/099 بتاريخ 12 أكتوبر 2015 من أجل التنزيل الأولي للرؤية الاستراتيجية 2030-2015.

وقد عملنا من خلال هذا العدد، التجربة الثانية ل ″مجلة كراسات تربوية″ المحكمة، على اقتراح قضايا تربوية جوهرية نراها الأجدر بالدراسة والتحليل، والتي ستكون سبيلا لفتح أفاق جديدة على مستوى التكوين والتكوين المستمر بالنسبة للأطر التربوية والطلبة المقبلين على ولوج مهنة التدريس وكذا المهتمين.

ذ. الصديق الصادقي العماري

المدرير ورئيس التحرير

................................................
 

مجلة كراسات تربوية العدد الثالث المحكم 2018

تقديم

من دون شك، أن الرؤية الإستراتيجية شكلت أهم حدث بارز في إصلاح منظومة التربية والتكوينفي الآونة الأخيرة، غير أن المتتبع للحقل التربوي منذ بداية الإصلاحات سيقارن بين المنطلقات التي بني عليها الإصلاح منذ بداياته الأولى، وبين المحطات البارزة التي مر منها، وبين النتائج التي وصل إليها على رأس كل إصلاح، إضافة إلى انعكاسات جميع الإصلاحات على شخصية المتعلمين والمربين، وكذا على واقع المجتمع الذي عشناه والذي نعيشه الآن، وربما لكل واحد رؤية افتراضية لهذا الواقع ولو بشكل مبسط.

هل فعلا نحن راضون على واقع المدرسة المغربية؟ هل نحن واثقون من أهدافها وقدرتها على التأهيل والتطوير والإدماج؟ أم نحن متأكدون من نوع الخريطة التي رسمتها وترسمها باستمرار، خاصة في علاقتها بالواقع المعيش؟ هل هناك رؤية واضحة بإجماع القوى السياسية والثقافية والاجتماعية، أم الأمر يتعلق برؤية قارة عمودية؟ وما هي المكاسب التي جناها التلميذ والمجتمع من كل الإصلاحات؟ وكيف أصبح حال الأجيال المتعاقبة والمجتمع في جميع أبعاده؟ ومن المسؤول عن الوضعية الحالية التي تتخبط فيها المنظومة التربوية؟ هل هو الأستاذ؟ أم التلميذ؟ أم المنهاج؟ أم...؟ أو الإرادة؟ إرادة من، إذن!

المدرسة مؤسسة اجتماعية تشتغل إلى جانب مؤسسات المجتمع الأخرى، فلا يمكن تصور مجتمع ناجح من دون تكامل وظيفي بين جميع بنيات المجتمع، لا يمكن تصور مدرسة فعالة من دون انفتاحها على المجتمع في الشكل والمضمون، وفي الرأي والموقف والمبدأ، قبل الحديث عن الانفتاح السوسيواقتصادي من دون التأسيس له ووضع الآليات الكفيلة لتحقيقه. فمخرجات المؤسسات التعليمية لا تجد مكانها في المجتمع، لأن هذه المؤسسة تشتغل بأساليب خاصة، والمجتمع متعدد المشارب والحاجيات، أما التنظير للتربية والتكوين بلغ مستوى المثاليات، وأصبحت الهوة واضحة بين التنظير والتطبيق، وبين المنطلقات والمرامي الكبرى التي لازال الجميع ينتظرها ويحلم بها في جميع الخطابات والشعارات.

إن واقع حال التربية والتكوين ببلادنا بلغ مداه، وهذا الواقع أكد عليه جل الباحثين والمنظرين والممارسين والآباء، حتى صانعي القرار التربوي أنفسهم، لذلك علينا أن ندرك تماما خطورة مصير أبنائنا وبناتنا، خطورة مصير أمة بكاملها، بل مصير هوية وطنية أصبحت تتجدد وتنسلخ من أصلها مرحلة بعد مرحلة، والأمر واضح في مستوى الشخصية المغربية، من حيث المقروئية والتاريخ الوطني والكوني والأصالة والثقافة بمعناها القيمي والمعياري...، وأخطر من ذلك مفهوم المواطنة الذي أصبح يتجدد ويتلون من جيل إلى جيل.

عن أي جيل نتحدث؟ وماذا أعددنا له؟ وماذا ننتظر منه؟

فتلميذ اليوم هو قائد الغد، وصبي اليوم هو رجل الغد، الذي سيتسلم القيادة والزعامة في حدود تخصصه، فلا يمكن أن نراهن بأجيال وأجيال من أجل اختبار نظريات وتصورات، بل نحن في حاجة إلى استثمار نتائج ناجحة من أجل مضاعفة النجاحات، استثمار ينبني على التكييف لا على التطبيق الكامل، ما دمنا مجبرين على الاستيراد.

الصديق الصادقي العماري

المدير ورئيس التحرير

25/01/2018

 
أو من الرابط أسفله للتحميل

.............................................................
مجلة كراسات تربوية
العدد الرابع 2019
 

تقديم

لكل مؤسسة اجتماعية خطاب معين، وذلك هو شأن المؤسسة التعليمية التي تتميز بخطاب تربوي محدد مبني على مرجعية ثقافية معينة تعكس فلسفتها التربوية التي تنتصر إليها، والتي من خلالها تسعى إلى تمرير إيديولوجية خاصة، تظهر في البرامج والمناهج والمحتويات والأساليب والتقنيات والأهداف العامة والخاصة، وكذا العلاقات المتبادلة بينها وبين النظم والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، وفي إطار هذه العلاقات تحاول المؤسسة التعليمية أن تكون طرفا قويا له شخصيته المادية والمعنوية بطريقة براغماتية.

الخطاب التربوي للمؤسسة التعليمية يتميز بنوع من الصرامة والقصدية في بلوغ أهداف واضحة وقابلة للتحقق بشكل قطعي أحيانا، هذا من الناحية المنهجية والتطبيعية، لأنها تسعى إلى الحافظية والمحافظة، وإعادة إنتاج نفس النسق، وهي منطلق التكوين والتأهيل بغية تحقيق التطبيع الاجتماعي والانفتاح على سوق الشغل، واندماج الأفراد في إطار الثقافة الكونية التي تضمن الانفتاح والتفاعل الدائم.

لذلك اعتمد النظام التربوي على عدة مداخل رئيسية تحاول تقريب المسافة بين المدرسة والمجتمع وجميع مؤسساته، هي مداخل منهجية وتقنية تعتبر القالب الذي يؤطر كل ممارسة صفية بالدرجة الأولى، وهنا الحديث عن المقاربات والبيداغوجيات والتقنيات ووسائل الترفيه واعتماد العمل بالمشاريع وغيرها، إضافة إلى حمل شعار التربية على القيم الدينية والوطنية والقيم الكونية التي لا تتعارض مع ثقافة المجتمع، دون إغفال فتح آفاق المشاركة والمحاولة والإبداع الحر. وهي مبادراة قيمة ومحمودة اتجهت إليها مختلف الدول العربية والمغاربية، من خلال اعتماد إصلاحات تربوية تراها جوهرية وضرورية للمرحلة.

غير أن المتتبع للشأن التربوي العربي في جميع محطاته وتقلباته، يدرك يقينا أن مشاريع الإصلاحات التربوية تسعى إلى بلورة خطاب خاص يسعى إلى التجديد من وجهة نظر النظام التربوي نفسه، يظهر على مستوى التنظير في شكله المثالي النموذجي، وتبقى مسألة التنزيل رهينة بمجموعة من الصعوبات السياسية والمادية والبشرية والإدارية، والعراقيل تحتاج دائما إلى مشاريع مصاحبة، وكل مشروع يحاول تسريع تنزيل السابق منها وهكذا، غير أن الفلسفة التربوية وخطابها يبقى ثابتا في صيغته القديمة رغم الإصلاحات، لأنه خطاب يدافع عن مقوماته بنفسه، وبفعل أساليب وقوانين وثقافته الخاصة.

نروم من خلال العدد الرابع من مجلة كراسات تربوية المحكمة إلقاء الضوء على مجموعة من القضايا الجوهرية المرتبطة بسوسيولوجيا الخطاب التربوي وخلفياته وأبعاده المتعلقة باللغة والتربية على القيم، و ذلك من أجل الكشف عن مكونات هذا الخطاب ولآلياته التي يشتغل بها، ومدى تأثيره على التلميذ ومحيطه الاجتماعي. 

ذ. الصديق الصادقي العماري

المدير ورئيس التحرير

.........................................................
مجلة كراسات تربوية
العدد الخامس 2020
 
 
تقديم

منذ القدم اعتنت الحضارات بالتربية، وأنشأت لذلك مؤسسات تفي بغرض تعليم المهارات والكفايات، وإعادة إنتاج المجتمع. وقد كان ذلك تحت ضغط حاجة الاجتماع، وإقامة المدن والدول، وتجويد الصناعات والمهن. لقد كانت المجتمعات البسيطة، المبنية على العيش وفق ما تهبه الطبيعة مباشرة، بغير حاجة إلى مؤسسات تعلم كيفية اصطياد حيوان أو جني فاكهة أو حفر جذور نبات، حيث كان القدماء والراشدون يمررون المهارات بالقدوة والتقليد، والصغار يتعلمون بالمحاولة والخطأ.

وما أن بنيت القرى الأولى وبدأ الإنسان يدجن النبات والحيوان، حتى بدأ التفكير في تجمعات كبرى تسهل حفظ المؤون والدفاع عن النفس والتجارة. مع المدينة والتجارة كان لابد من اختراع الكتابة للتوثيق وحفظ الحقوق. ومع كل ذلك لابد من دولة ترعى هذه الحقوق وتضمن تنفيذها بالقضاء والشرطة، وتنظيمها بالإدارة. فكان لابد أن تظهر المدارس لتخريج الموظفين الإداريين والكتبة كما هو الأمر في الصين القديمة.

المدرسة الأولى إذا ارتبطت بالإدارة والسلطة، وبذلك يروي المؤرخون صرامتها الأصلية واقترابها من الجندية، خاصة في مباريات الموظفين الكبار والمتوسطي  Le mandarins في الصين القديمة.

مع الحضارة اليونانية لا يمكن إلا أن نقف عند تجربتين فريدتين وهما مؤسستا الأكاديميا لأفلاطون، والتي كانت مؤسسة فيها قاعات للدراسة وملعبا رياضيا ومواقع دينية ومكتبة، وتقام فيها دروس وألعاب ومحاضرات. وكما اشترط أفلاطون الهندسة على من أراد أن يتابع الدروس، فقد كانت الرياضيات مادة أساسية في الجامعة. ومن الكتب التي وصلتنا من أفلاطون نفهم الطابع التجريدي القوي للتعلمات، وكذلك الاتجاه السياسي المحافظ.

أما ليسي أرسطو، والذي كان يسمى أيضا بالمدرسة المشائية، فقد كان مؤسسة تكاد تكون مثل الجامعات العصرية، بقاعات وممرات للمشي والحوار. وفي المؤسسة متحف ومكتبة. وقد توزعت الدروس بين الفلسفة والبلاغة والشعر والرياضيات والطب والجدل وعلم الفلك والحياة والنبات والأخلاق والسياسة. ولم يكن الليسي يشمل التدريس فحسب، بل وكذلك البحث والتصنيف خاصة. وحتى نفهم المدرسة الأرسطية لابد من ربطها بعلاقتها بالأمبراطورية الأسكندرية إرادة وتمويلا، ومن ثمة كونها كانت رغبة استمرار السلطة لدولة فيليب وللأرستقراطية الأثينية.

أما في القرون الوسطى سيتكفل الدين بالتربية وتلقين المعارف: سواء على مستوى الاعتقاد والقيم والأخلاق، أم على مستوى التشريع، أو العلوم. فيتخرج من الجامعات الإسلامية، أو من الكنائس، أو البيع، مفسرون للكتب المقدسة، ومؤرخو حياة الأنبياء والصحابة والأحبار والكهنة. ونبغ علماء لغة ونحو وبيان وأدب، وكان ذلك غالبا لفهم النصوص المرجعية، وبعض المتعة للطلبة والمتأدبين. وانفجر من ذلك كله الفقه لربط الأعمال اليومية بالسنن الدينية، ولتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية وشؤون الملك والسلطان. فانتشرت المدنية واتسعت الحضارة واطلع الخريجون على علوم الأمم الأخرى بالترجمة، فظهرت الإلهيات والفلسفة والمنطق. وتطور حسن معاش الناس فظهر الطب والرياضيات والصيدلة والكيمياء والفيزياء. وكان كل ذلك تحت رقابة الفقهاء والقساوسة والكهنة حتى لا تزيغ المعرفة عن الدين في جانبه الأيديولوجي خاصة.

لقد كانت الجامعات الدينية والكنائس والبيع هي التي تجيز الخريجين، وكانت المضامين مدققة وفق معيرة صارمة، قادت إلى الانغلاق والدوغمائية لتعيد تكرار التعلمات على شكل تعاليم بشكل لا ينتهي وفق الملخصات والحواشي والطرر، وتلخيص التلاخيص وشرح الشروح بالهوامش والقصائد الديداكتيكية. فابتعد العلم عن وظيفته الاكتشافية الإبداعية وتخشب في التصنيف والقياس ليقترب من السحر وادعاء امتلاك الحقيقة. إنها لحظة تعب المدرسة السكولائية التي تشبثت بطوطولوجية الاستنباط، تارة تحت محاربة البدعة وأخرى تحت متابعة الساحرات. وليس الأمر في حقيقته سوى الدفاع عن مصالح  فقهاء السلطان الذين توجوا أنفسهم فئة فوق المجتمع تأكل من رزقه وتستغل ذهن البسطاء في تجييشهم ضد الأفذاذ أمثال ابن باجة وابن رشد وكوبرنيك وغيرهم.

لقد فجرت فلسفة الأنوار مفهوم التربية وقادته نحو الانعتاق من حجر الكنيسة نحو أخلاق جديدة مبنية على المسؤولية والعقلانية والتعاقد، الأمر الذي أتى أكله في ثورة أرسـت حقوق المواطنة والانعتاق من الاستبدادين السياسي والفكري.

لكن الثورة الأكثر جذرية هي الثورة الصناعية التي ستعيد النظر في علاقة الانسان مع العالم ومع الإنسان ومع الإنتاج ومع السلطة وكل مناحي الحياة، لينتقل التراخي التابع للطبيعة ودوران الأرض حول الشمس كما كان الأمر في الزراعة إلى التقنين الزمني والعقلانية المبنية على المؤهلات، فكان الميلاد الحقيقي للمدرسة بمفهومها الحديث. مدرسة خلفها الحاجة إلى تعلم المهارات العقلية والانتماء الوطني في نفس الوقت. فكان لابد من أن تستفيد من فوائد التقنية الجديدة لتطور العلوم، ومن حالة سيادة الدولة الأمة بل وحتى من الاستعمار الذي وفر الرفاه للمتربول لتنحو نحو دولة الرعاية لتعلن إلزامية التعليم وتعميمه وتنظيمه في مستويات الابتدائي والثانوي، وخلق وزارات ومضامين ومراقبة ودوريات.

بعد الحرب العالمية الثاني وإعادة إعمار أوروبا واستقلال الدول المستعمرة تباعا، ستصبح المدرسة والتربية وتعميمهما مسألة الدولة لتصبحا جماهيريتين تستفيد منهما جميع الفئات الاجتماعية. ليس في الابتدائي فحسب بل وفي الثانوي أيضا، إلى حد إمكانية اعتبار عقد الخمسينيات والستينيات والسبعينيات ثلاثينية الثانوية. ولم تعد تطرح في أوروبا خاصة مسألة التمدرس التي وصلت إلى التشبع في العقد السبعيني. لكن طرحت إشكالية كبرى وهو كيفية التوفيق بين جماهيرية المدرسة كعدالة والفروقات الطبقية التي تؤثر في النجاح في المدرسة وفي الحياة. الأمر الذي أنتج أحداث 68 الفرنسية كتعبير عن سخط الطلبة تجاه نتائج التخرج والسياسة التعليمية عامة. واتخذ الأمر بعدا فجائعيا في المغرب قبل ذلك في 65 عبر عن سخط عارم في رغبة الدولة الحد من التعميم وإنهاء المصعد الاجتماعي الذي بدأ يؤتي أكله للفئات الشعبية والفقيرة.

وما فتئ الأمر يتفاقم فيما يخص نفس الإشكالية التي ستتفرع إلى إشكاليات عديدة في الألفية الثالثة. ليفكر وبجد في نزع المدرسة عن المجتمع، وعدم رهن النجاح في الحياة بالنجاح في المدرسة. الأمر الذي يعتبر علميا ذي أهمية يمكن أن تحفز نحو التفكير في بدائل للمدرسة التقليدية، دون نسيان الرأسمالية التي تتربص بالمدرسة العمومية وتستغل الظرفية بفك الالتزام للدولة مع المؤسسات المدرسية لبيعها في المزاد.

إن التحديات الكبرى التي تواجهها التربية والمدرسة اليوم ليست تقنية بقدر ما هي فكرية وحقوقية. حيث ينبغي اليوم العودة إلى النقاش الإيتيقي المسؤول حول قيم كبرى مثل الحرية والعدالة والإنصاف. إن التربية بدون بعد إنساني يتوخى الانسان كهدف وليس كوسيلة لا يمكن أن تسمى تربية بالمعني المحرر والمفتح للشخصية، وذلك ضدا على المصالح الفئوية والطبقية والهوياتية الضيقة.

إن تاريخ البشرية هو تاريخ تحسين تعريف الانسان، وليس هناك مجال للتهذيب والرقي بالسلوك الإنساني نحو الفضيلة والجمال وحسن العيش مثل التربية والمدرسة، ومن هنا الحاجة إلى التعلمات التهذيبية مثل الفنون والآداب وكفايات التواصل والقدرة على الوصف والتعبير شفهية وكتابة عن الأشياء والآخر والذات بالملاءمة الكافية. كما أن علاقة الانسان بالأشياء كأشياء مادية، وجسدية وفكرية واجتماعية تحتم التعلمات العلمية التي تسهل تحسين الحقيقة النظرية والعملية على حد سواء. وكل ذلك في تجانس يتجاوز التوجيه المدرسي العقيم إما إلى الآداب أو العلوم أو التكوين المهني.

إن المطلوب اليوم هو التفكير الجدي في ملائمة الحقل التربوي بجميع مكوناته والفاعلين فيه بآخر ما وصلت إليه العلوم الاجتماعية والتربوية، وكذلك الممارسات التدبيرية الكونية في أفق بناء تربية مفتحة للإنسان بمؤهلاته المركبة وذلك على أصعدة محورية كما يالي:

المؤسسة:

لم يعد ممكنا اليوم الاشتغال خارج المؤسسات والتنظيمات التي يتعاون الفاعلون فيها ويكمل بعضهم بعضا في أفق المنهجية المركبة. والأمر يبدأ بالبحث الدقيق في الحاجات الملحة والمتوسطة المدى والبعيدة، من أجل تصور ملائم تضبطه قوانين متوافق عليها من طرف جميع الفرقاء وفق نقاش عمومي جاد ومسؤول. لأن مسألة بناء المؤسسة وتدبيرها لا يمكن أن تكون فردية مهما أوتي الفرد من عبقرية. إن مسألة مأسسة التربية في جميع مستوياتها تضع حدودا مع المحاولة والخطأ والحس المشترك العام وكذلك السياسي الذي يعتمد القوة المباشرة وحدها كقطب مركزي في الرهان، في حين أن أمر التربية مرتبط بالحكمة والمشاريع المجتمعية الملائمة بالقياس الجغرافي والتاريخي والثقافي والمدى والحجم الاقتصادي للدول. ولا تعتبر مسألة المأسسة هذه إغلاقا للمجال للاشتغال وفق داخل يحتاج إلى عدم التدخل السياسي والتشويش الأيديولوجي والديموغاجي والشعبوي فحسب، بل من أجل إنتاج أفكار عالمة تصغي بالملائمة للواقع الحقيقي ولمصلحة الناس كافة.

 المتعلم:

العناية بالمتعلم واجب حقوقي وأخلاقي فوق كل اعتبار، ومن هنا مركزيته في العملية التربوية والتعليمية برمتها، سواء عل المستوى الديداكتيكي ومهارات كل تخصص أم على المستوى البيداغوجي العام. وذلك بالاعتناء بالمجموعة والفرد في الحياة المدرسية في بعدها الأنثربولوجي: من الاهتمام بالطقوس اليومية، وصولا إلى الاعتناء بالمحاكاة، مرورا بالعمل على تفتح الحلم والإبداع والخيال. ولا يمكن أن نمركز المتعلم في مشروعنا دون محاربة الهدر وأسبابه، ودون محو الأمية التي تكبل الأسر في أن تساهم في العملية برأس مال معرفي وثقافي يجعل المتعلم لا يشعر بالغربة عندما ينتقل من الأسرة إلى المدرسة.  

المعلم:

إن العناية بالمؤسسة التربوية وبالمتعلم لا يتمان دون العناية القصوى بتكوين المعلم تكوينا متينا في تخصصه وفي وسائل إيصال المعارف وتبسيطها وتقويمها. إن مسألة تكوين المعلمين مسألة حاسمة بها تنهض الأمم عندما تختار أجود التلاميذ الذين اجتازوا البكالوريا ليس من حيث جودة المعارف فحسب بل ومن حيث شروط أخرى لا تقل أهمية مثل تفتح الشخصية ومدى استعدادها للتواصل والعمل الجماعي والإنصات والتكوين والمستمر، وربما طلب منه بعض المساهمات الاجتماعية التطوعية وغيرها. إن مهنة المعلم لم تعد تلك التي تقتصر على نقل المعارف والمعلومات فحسب بل أصبحت تتطلب كفايات أخرى مثل التنسيق والإرشاد نحو سبل البحث الرقمي واستعمال المنصات وغير ذلك من المستجدات التي ليست تقنية بالأساس، بل حياتية تنطلق من تعلم الحوار والمرونة والقدرة على اتخاذ القرار.

المضامين:

مسألة المضامين مرتبطة بعوامل حاسمة أساسية وهي الخبرة العلمية المرتبطة بالبحث العلمي أولا، وبالتدريس ثانيا، وبالتأطير ثالثا، ولا يجب أن تتدخل في الأمر اعتبارات المصالح التجارية والسياسية وحتى الأصولية الهوياتية التي قد تدمر المعرفة بالذات وبالغير.

إن مسألة المضامين علمية بالدرجة الأولى، لأنها تروم تحسين الحقيقة النظرية والعملية على حد سواء ومن هنا ضرورة تظافر جهود الجماعات العلمية من مراكز بحث ومختبرات ومجموعات ومجلات ومجاميع لغوية وأكاديمية. كما أن استشارة بعض الجهات الخبيرة في المقاولة والمجتمع المدني وبعض أفذاذ المبدعين، وحتى حسن عيش الحياة اليومية للناس يمكن أن تساعد خاصة في بناء مضامين الثقافة والحضارة والأدب والتواصل والكفايات الحياتية. وهو أمر معمول فيه قبل ذلك في كثير من البلدان التي لا تجعل جدارا سميكا بين المعرفتين العالمة والشعبية.

البيداغوجيا:

إن البيداغوجيا وعلوم التربية أصبحت الآن في صميم اهتمام الشعوب المتحضرة، إيمانا بكون المعرفة، والعلمية خاصة، لا تنحصر في الإنتاج، بل تتعداه إلى نقل المعرفة بتبسيطها وخلق وسائل ذكية من أجل تجديد الأجيال المرتبطة بها كتحسين مستمر. وبذلك تغتني المعرفة نفسها. غير أن أمر البيداغوجيا الآن خرج من الدائرة الضيقة للمدرسة والجامعة نحو تدبير المقاولة والحكامة بأنواعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

د. بن محمد قسطاني

أستاذ  علم الاجتماع والأنثروبولوجيا

 
..............................................................
مجلة كراسات تربوية
العدد السادس 2021


تقديم
استنوار الواقع La mise en lumière
***
بقلم: عبد الرحيم العطري
كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط
***

تعلمنا الهيرمينوطيقا درسين على الأقل وهما فن الفهم وفن الإصغاء، أي أن نفهم الوقائع والأشياء، كما هي، وكما تحولت وتحورت في الأزمنة والأمكنة، إلى أن وصلت إلينا على هذا النحو أو ذاك، وأن نُصيخ السمع لمختلف الترددات والتواترات والتناصات التي مارستها في تاريخها الطويل، هو ما يتطلب مجهودا إحاليا effort référentiel يعيد تركيب قطع البوزل Puzzle، ويضع كل جزء في خانته الدلالية، لأجل تحقيق اكتمالية المعنى وبلوغ "معنى المعنى".

إن ما يهم في دراسة المجال والإنسان، وفي مستويات قيمية وتربوية رَامِزَةٍ بالأساس، ليس البحث، وحسب، عن معنى الوقائع والأشياء التي تعتمل في المجتمع، ولكن الأهم والاستراتيجي، ومن مقترب النقد المنفتح، هو البحث عن "معنى المعنى"، أي الوصول إلى "الطابق التحت أرضي" sous sol الذي يختفي عن الناظر والنظر. فهناك تقيم الأساسات التي تشيد البناء الثقافي/الرمزي لذات الوقائع والأشياء، وهناك يختفى المسكوت عنه واللامصرح به. فما يوجد وراء الكواليس وفي الأقبية المظلمة، هو الجدير بالبحث، وليس ما يعرض للعموم أمام خشبة العرض، مع الإقرار بأهمية المعروض والمعلن والمصرح به، كعتبات قرائية وتأسيسية للنقد المنفتح.

طبعا تشترك الأعمال البحثية، ومهما كان انتماؤها المعرفي، في هدفية واحدة، وهي إزاحة الغموض وإنتاج المعنى، كشفاً وبناءً، فلا بد من كشف البنيات العميقة التي تَنْوَجِدُ خلف الظاهر، وتبرر منطق الإسرار والإلغاز الذي يميز النصوص المجتمعية، وبذلك يتأتى إعمال فكرة إزاحة الغموض و"استنوار" الحجب والإظلام الذي يكتنف الوقائع والأشياء، وذلك عبر المزيد من التساؤل النقدي حول مجالات التربية والتعليم والقيم  وامتداداتها المجتمعية. وهو ما تنتصر له مجلة "كراسات تربوية" بمزيد من الحرفية والإبداعية، وبتفان تام واجتهاد متواصل لمديرها الأستاذ الصديق الصادقي العماري.

إن هذا العدد الجديد من "مجلة كراسات تربوية" الذي تقترحه هيئة التحرير على القراء الأعزاء، يسير في اتجاه "التنوير المعرفي"، توكيدا لضرورة فتح "نقاشات" مستفيضة بصدد "المسألة التربوية/التعليمية"، أملا في تجاوز حالات من "الاستعصاء" و"عسر المعنى". فلا سبيل لإعادة كتابة تاريخ النسق، إلا بمجهود معرفي تتداخل فيه كافة الحقول العلمية، على درب الاستنوار والفهم والتأويل.

ثمة تعالقات خفية وعلنية بين النصوص المجتمعية التي نشتغل عليها، وهي التعالقات التي عبرنا عنها في أكثر من مناسبة بالتناص الاجتماعي، وعليه فإن العبور إلى النص المجتمعي، دينيا كان أو سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا، لا ينبغي أن يهمل هذا التعالق، وأن ينشغل ببحث وتفكيك الارتباطات والحوارات والتفاوضيات الجارية بلا انقطاع عن العناصر والفواعل والعوامل المشكلة لذات النصوص. ذلك أن البنيات والبنيات المضادة، في صغرها أو كبرها، تعمل على إنتاج الصمت بدل الكلام، حيث تجنح إلى الرمز والإشارة بدلا من التصريح والإعلان، ولهذا يتحدد المسعى البحثي للناقد التأسيسي في الانهمام بما تقوله "الصورة" وما تصمت عنه قصدا وعفوا.

السياق كفيل بإنتاج المعنى، ولا شيء خارج السياق، والواقعة التربوية/التعليمية/القيمية، في صغرها وكبرها، يتحدد معناها بالسياقات التي تتحرك فيها، ولهذا يتوجب الانتباه إلى "فعالية" السياقية contextualité في النقد التأسيسي والفهم التأويلي والنحت المعرفي، كمسالك مركزية في النقد المنفتح. فالنص، أي نص، يستمد معناه ومبناه من السياق الدائر فيه، كما أن ذات السياق الذي يشكل الأبنية والأفضية والوقائع والأشياء، هو بدوره نتاج تراكمي لهذه النصوص الصغرى التي تتأثر به وتتفاعل فيه، فالجزء من الكل، والكل من الجزء أيضا، ثمة حوار وتفاوض مستمرين بين النص وسياقه فعلا وتفاعلا وانفعالا.

إن ما نقترحه في هذا الباب هو تفكير في الرمزي من خلال المجتمع، وتفكير في المجتمع من خلال الرمزي، وهو ما يؤمن للباحث عن المعنى، حركة تعددية المسالك، تسمح بتغيير زوايا النظر، للتفكير في النصوص من داخلها وخارجها، وانطلاقا منها ورجوعا إليها، ما يثمر في النهاية "تأويلا خلاقا" interprétation créatrice بتعبير بول ريكور.

ولهذا لا يسعنا في الختام، إلا تجديد خالص الشكر والتقدير إلى مدير ورئيس تحرير المجلة، وكافة أعضاء لجنتها العلمية وهيئتها التحريرية، وكل المساهمين في إغناء هذا العدد بحثا واستشكالا واستنوارا، فإلى الباحثات والباحثين الذين أهدونا هذه المقالات الغنية، وافر الشكر وعظيم الامتنان.

والله الموفق.

عبد الرحيم العطري 

أستاذ  علم الاجتماع والأنثروبولوجيا

..............................................................
 

تعليقات

المشاركات

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

سياسة النشر في مجلة كراسات تربوية-المغرب

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دعوة للنشر في مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة-المغرب العدد السابع(07) يناير 2022

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية: دورة تكوينية بالرشيدية حول علوم التربية والديداكتيك والتشريع التربوي من 8 أبريل إلى 15 أبريل 2018

المشاركات الشائعة

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم. ذ. الصديق الصادقي العماري

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

هندسة التكوين الأساسي للمدرسين و تمهين التعليم. د. محمد الدريج

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

مجلة كراسات تربوية، العدد التاسع(09) دجنبر 2022، تناقش سوسيولوجيا النظام التعليمي في المغرب

مجلة كراسات تربوية: تحميل العدد الأول المحكم 2014

فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لدى مربي مراكز حماية الطفولة/د. كوثر الشرادي

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

المشاركات الشائعة

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم. ذ. الصديق الصادقي العماري

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

هندسة التكوين الأساسي للمدرسين و تمهين التعليم. د. محمد الدريج

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

المشاركات الشائعة

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

سياسة النشر في مجلة كراسات تربوية-المغرب

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دعوة للنشر في مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة-المغرب العدد السابع(07) يناير 2022

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية: دورة تكوينية بالرشيدية حول علوم التربية والديداكتيك والتشريع التربوي من 8 أبريل إلى 15 أبريل 2018