كراسات تربوية: التربية الإسلامية بين الهوية والفعل التربوي

التربية الإسلامية بين الهوية والفعل التربوي[1]


محمد الصادقي العماري
باحث أكاديمي

مقدمة:
إن شرف أي علم وفضله مرتبط بشرف موضوعه، وموضوع التربية الإسلامية هو الإنسان والعمران، لذلك أنزل الله تعالى الوحي على الأنبياء والرسل، لإصلاح البشرية، فأرسلهم مبشرين ومنذرين، معلمين ومصلحين يقول تعالى:" كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ "(البقرة: 213)، حتى أرسل الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة، المربي والمعلم الأول يقول تعالى:"  كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ "(البقرة:151) وبهذا كانت القضية التربوية والتعليمية قضية مركزية في الوحي قرآنا وسنة، وكذلك في الهوية والحضارة الإسلامية.
هذا ما سنحاول ملامسة جانب منه في هذه الورقة بشكل مختصر، مرجئين الكلام على الجوانب الأخرى للقضية في الأعداد القادمة . 
المحور الأول: التربية الإسلامية في الهوية[2] الإسلامية
v      تربية الإنسان ليقوم بواجب العمران
إن الالتزام بالدين الإسلامي داخل أي مجتمع، يتفاوت من شخص لآخر ومن منطقة لأخرى، فهناك من يلتزم بالدين في جانب دون آخر ومنهم من يحاول أخذ الدين بشكل شامل يفلح حينا ويخفق أحيانا كثيرة.
لكن رغم ذلك يبقى المجتمع في حاجة إلى من يوضح تعاليم الإسلام وأحكامه للناس، وإعطاء النموذج العملي الراقي للالتزام بالإسلام وتنزيله على أرض الواقع، وتصحيح الممارسات الخاطئة، وتربية الأفراد فكرا وسلوكا، من أجل أداء رسالة الشهادة على العالم، الرسالة الأخلاقية المميزة للشريعة الإسلامية.
هذه الرسالة الأخلاقية التي شرعت من أجلها "العبادات" و"المعاملات"، فكل الأحكام التشريعية التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية تهدف إلى مساعدة الإنسان على القيام بواجب الاستخلاف في الأرض، وإعمارها بالإيمان والعمل الصالح، الذي جاء جمعهما وتكرارهما في آيات قرآنية عديدة، " وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا"(النساء:122).
وللقيام بواجب الاستخلاف وإعمار الأرض: العمران الروحي: بالعبادة والتقرب إلى الله بالطاعات التي فرضها، واجتناب المنهيات التي حذر منها ورتب العقاب على فاعلها، والعمران المادي: بالمساهمة في بناء الحضارة والإنتاج الفكري والصناعي والثقافي والاقتصادي لرجوع الأمة لمكان الريادة كما كانت يوم كان العمران الروحي مرتبط بالعمران المادي غير منفصل عنه وليس العكس كما هو واضح في سلوك المسلمين اليوم.
وموضوع التربية هو الإنسان وتزكيته وتطهيره وتأهيله لأداء دوره في إعمار الكون وبنائه، وتجديد ذلك العمران إذا أصابه التقادم، فالإنسان هو المنشئ لحالة العمران بشقيه: التمدن والثقافة، بما حباه الله من قوى وعي وحرية اختيار وقدرات ومؤهلات تمكنه من الوفاء بمتطلبات الاستخلاف والعمران.
وهذا الارتباط بين نوعي إعمار الإنسان للأرض واستخلافه فيها، يحتاج إلى فعل تربوي جاد ومسئول، يأخذ مرتكزاته من هوية الشعب، أي أغلبية الشعب من غير إغفال لحق الأقلية، لأن لكل أمة من الأمم مصادرها التي تستمد منها رؤيتها للإنسان في وضعه الأمثل.
ونحن المسلمون نستمد الصورة المثلى للإنسان الصالح القادر على عمارة الأرض وإصلاحها من الوحي كتابا وسنة، مستعينين في فهم هذا النص بفكر علمائنا، وما أنتجه الفكر الحديث والتربوي منه، من مناهج توافق أصول وكليات ديننا ولا تتعارض معها.
v      الإنسان الأمثل في الهوية الإسلامية
والإنسان الأمثل في مرجعيتنا الإسلامية هو من حقق غاية وجوده وهي العبودية لله تعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الداريات: 56) هذه العبودية هي التي تهيئ الفرد لاكتساب قيم روحية وتربوية، قال تعالى في شأن الصلاة " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " (العنكبوت: 45) فكانت عبادة الصلاة تربي الإنسان وتحصنه من فعل الفحشاء والمنكر.
ولذلك كان رسول الله صلى اله عليه وسلم هو المثل الأعلى لتمثله للأخلاق والقيم، قال تعالى واصفا نبيه:" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " (القلم:4) قال الشيخ النورسي:" أي: أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المثال النموذج لما بينه القرآن الكريم من محاسن الأخلاق، وهو أفضل من تمثلت فيه تلك المحاسن، بل انه خلق فطرة على تلك المحاسن"[3]
وبذلك يكون الإنسان الأمثل في هويتنا وحضارتنا الإسلامية ليس من يعتقد أن أصله حيوان كما عند الدروينيين، أو أنه خلق من الطبيعة وسيرجع إليها كما هو عند الدهريين،.... فيكون عمله مقصورا على الدنيا، غير موصول بالآخرة، لا علاقة لفعله بالتقرب إلى مولاه، فتكون ممارسة حقه الطبيعي وجهته ومبتغاه.
 بل هو الإنسان العابد لربه، المتقرب إليه بكل الأعمال الصالحة، لتنمية الاجتماع الإنساني، فتكون كل أعماله مطلوب بها وجه الله تعالى، وكذلك علمه وتربيته، يقول الإمام الشاطبي:" كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما يكون حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى، فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى فبالتبع والقصد الثاني"[4] وبذلك تكون المثالية الإنسانية مربوطة بالسماء والأرض، لقوله صلى الله عليه وسلم" الخَلْقُ كلُّهم عِيَالُ اللهِ وأحبُّ الخَلْقِ إلى اللهِ أنفعُهم لعِياله "[5] وعيال الله أي أنهم مفتقرين إليه فهو الذي يعولهم.
v      المقومات التربوية في الهوية الإسلامية
فإن العملية التربوية في تراثنا الإسلامي ترتكز على مقومات أساسية عرفتها الممارسة التربوية والتعليمية في محاضن العلم وأروقته من مساجد وغيرها، وليس المقصود منهجية تربوية شاملة، لأننا نتكلم عن زمان كانت له ظروفه واهتماماته فلا يمكننا أن نحاكمه بما وصل إليه العلم التربوي في زماننا، نذكر من هذه المقومات على سبيل التمثيل لا الحصر:
أولا: المادة المعرفية أو العلمية: وكان الفعل التربوي في تاريخ الإسلام يركز على معيار الفائدة العلمية، وعدم إضاعة الوقت في ما لا ينبني عليه عمل، ولا فائدة دنيوية أو أخروية ترجى من وراءه، كما قرروا أن من العلوم والمعارف ما ينبغي تعلمها ونشرها، ومنها ما لا ينبغي نشره، لضرره على الناس، لذلك كان من العلماء من يحرم قراءة بعض الكتب بإطلاق، أو في مرحلة معينة من الطلب.
ومما يرتبط كذلك بالمادة العلمية أن العلماء كانوا في بداية الموسم الدراسي يفتتحون مقرراتهم بفضل العلم وأهله، ويذكرون المتعلم بالآيات والأحاديث وقصص الصحابة والتابعين والعلماء والطلاب، التي تحفز على طلب العلم، وترسخ في ذهن المتعلم شرف المهمة التي يقوم بها، وكانت عندهم التنشئة الدينية هي الأساس في تربية المتعلم، والتركيز على الآداب والسلوكيات الصحيحة في علاقة العالم والمتعلم.
ثانيا: المعلم أو المدرس للمادة المعرفية: وهو الواسطة الأساسية لنقل العلم والمعرفة إلى الطالب والتأثير في عقله وقلبه، لذلك ينبغي أن يكون متحققا من العلم المراد تدريسه، وأن لا يكون من أصحاب صورة العلم لا حقيقته، لذلك كان من الأقوال المشتهرة عندهم " لا تأخذ العلم من صحفي ولا من مصحفي" والمراد التنبيه والتحذير من أخذ العلم ممن لم يجالس العلماء ويشافههم بل أخذ علمه من الكتب فقط، والتحذير كذلك ممن حفظ القرآن من المصحف بدون شيخ.
 وفي هذا إشارة واضحة إلى شرط المعلم والمتمثل في أن يكون علمه متصل السند إلى شيخه، لأنهم كانوا يحرصون على عقول الشباب من الفكر السقيم، أو من تحريف الحقائق، لأنهم إذا علموا شيخه الذي أخذ عنه العلم اطمأنت قلوبهم لحقيقة العلم الذي يحمله، سواء من ناحية المحتوى أو المنهج المتبع. ;قال الامام الشاطبي بعد ذكر مجموعة من المعاني بخصوص عالم التربية:" فلا يصح للعالم في التربية العلمية إلا المحافظة على هذه المعاني، وإلا لم يكن مربيا، واحتاج هو إلى عالم يربيه"[6].

ثالثا: البيداغوجية أو الطريقة: فإن الطريقة السليمة لتدريس المادة العلمية من طرف المدرس لها أهميتها في العملية التعليمية التعلمية، لأن فهم الطالب واستيعابه للمادة رهين بالطريقة المعتمدة في إيصالها له، لذلك نجد علماءنا يؤكدون على أهمية الطريقة البيداغوجية والديداكتيكية.
ويقررون أن أسلم الطرق هي التي تقوم على التيسير والتبسيط والابتعاد عن التعمق والإيغال في الحدود المنطقية، ومخاطبة كل مستوى دراسي بما يناسبه، وقالوا: "إن الرباني هو من يعلم بصغار العلم قبل كباره" والرباني  القادر على التربية العارف بصنعتها وفنها، هو من يتدرج مع المتعلم من صغار العلم إلى كلياته.
وفي نفس السياق نجد أن علماءنا كانوا يراعون الفوارق الفردية بين الطلاب مستندين في ذلك إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت عنه أنه كان يجيب السائلين في قضية واحدة بأجوبة مختلفة، والروايات في هذا الشأن مشهورة ومعروفة[7] حيث أنه صلى الله عليه وسلم كان يوصي الصحابة بناء على فوارقهم النفسية والاجتماعية وبحسب ما هو أولى له في وقت دون وقت....مما يدل على أنه كان صلى الله عليه وسلم يراعي الفوارق النفسية والوقتية ...
رابعا: المتعلم أو طالب العلم: وهو المقصود الأول في الفعل التربوي، ويحرص علماءنا على أن يوجه كل طالب إلى ما يوافق رغبته وكل ما هو متهيئ له، لأن الله خلق الناس وكل ميسر لما خلق له، فمن العلوم ما هو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، أما إن لم يقم به أحد أصبح متعينا على الجميع حتى يهيئوا من يقوم به.
والخلاصة إن ما ذكرناه غيض من فيض التجربة التربوية الإسلامية، رغم أن هذه التجربة مرتبطة بواقعها التي نشأت فيه متأثرة بطريقة العيش وأساليب الحياة الإنسانية آنذاك، لكننا نحتاج اليوم إلى قراءة التراث الإسلامي على ضوء المستجدات التربوية المعاصرة، لا اللجوء إلى الاقتيات على موائد الآخر، الذي يختلف عنا في تصوره للكون والحياة والإنسان، كما أن ما نستورده منه لا يوافق النسيج الاجتماعي لبلدنا.
المحور الثاني: التربية الإسلامية في الفعل التربوي
v      من قصور النظر التربوي إلى تدني السلوك الإنساني:
إن التربية الإسلامية في الفعل التربوي المغربي ليست بأحسن حال من غيرها من المواد الأخرى، فالفعل التربوي في بلادنا متردي على مستوى كل التخصصات، والذي يؤسف له أنه داخل هذا التردي والتراجع المهول، نلاحظ استهداف مادة التربية الإسلامية .
فإن مادة التربية الإسلامية بالحيز الزمني الهزيل المخصص لها، وبالطريقة البيداغوجية الحالية التي تدرس بها، لا يمكنها بحال من الأحوال أن تنتج لنا الإنسان السوي، الحامل لرسالة الإسلام الرسالة الإنسانية بامتياز، الحامل لرسالة الشهادة على العالم.
بل ولا يمكنها أداء رسالتها الأخلاقية في تقويم الفكر والسلوك، لذلك لا نستغرب لما نشاهد العنف، والسلوكات اللامدنية، والمخدرات، وتدني قيم العفة والحياء داخل المدرسة وفي محيطها، بل وفي المجتمع، لأن ذلك نتيجة عجز الفعل التربوي المغربي على مستوى التنظير والممارسة، استهداف المخزون القيمي والأخلاقي للتلميذ المغربي في المرتبة الأولى، ولا أقول أن هذا الاستهداف خاص بمادة التربية الإسلامية بل هو قضية كل المناهج الدراسية. 
إن التعاطي السلبي مع التربية الإسلامية في الفعل التربوي المغربي، أفرز لنا إنسانا في ظاهره وممارسته السلوكية بعيد عن روح الإسلام وعقيدته، عرضة لكل المؤثرات الخارجية، فتحصين عقول أبنائنا وبناتنا، من الغزو الثقافي اللاديني العلماني، أو الإلحاد والكفر البواح، مسؤولية يتحملها واضعوا البرامج أو على الأصح مستوردوا البرامج.
v      امتداد فلسفة التربية الإسلامية إلى العلوم الأخرى
إن تحويل التربية الإسلامية هذا المكون الأخلاقي والوجداني والعقدي، إلى موقعه الريادي كما كان، وجعله فلسفة شاملة، ينبغي أن تسري روحه في كل المواد الدراسية، لأن المواد الأخرى ليست سوى خادمة لها.
وفي هذا السياق أدعوا دائما إلى مقترح- وخصوصا في السلك الثانوي التأهيلي- أرى صوابه من أجل تفعيل مادة التربية الإسلامية أكثر، وإعطائها مكانها الريادي والفعلي، أن ندرس كل تخصص بما يناسب تخصصه، نأخذ على سبيل المثال الثانية باك، عندنا الآداب، والآداب والعلوم الإنسانية، والعلوم الاقتصادية، والعلوم الفيزيائية، والعلوم الرياضية و... كل هؤلاء يدرسون مقررا واحدا، وهذه من طوام الفعل التربوي في بلادنا.
لذلك ينبغي أن ندرس العلوم الاقتصادية دروس تمهيدية في الاقتصاد الإسلامي، وخصوصا أن التلميذ بعد الباكلورية أي في الجامعة في الكليات الاقتصادية لن يسمع بشيء اسمه الاقتصاد الإسلامي، وبذلك يكون مبتورا عن حضارته الإسلامية، ونفس الشيء بالنسبة للتخصصات الأخرى، لكن أعتقد أن الأمر مقصود من أجل ترسيخ نظرية الاستلاب الحضاري في عقول شبابنا.
ودليل هذا المقترح ارتباط العلوم جميعها حتى البحتة منها في هويتنا  الحضارية، عكس ما عليه الأمر في الحضارة الغربية يقول الدكتور عمارة:" فعلى حين ظنت الحضارة الغربية أن الانتصارات العلمية هي تحرير العقل الإنساني من الإيمان بالدين، أكدت حضارتنا أن المباحث العلمية – حتى الكونية منها- هي تكليف إلهي، تزيد العقل العلمي إيمانا بخالق هذا الوجود الذي يبحث عن الأسرار التي أودعها الخالق فيه.."[8]
وهذا الارتباط جسده علماؤنا رحمهم الله فهذا ابن رشد رحمه الله خلف " تراث ضخم ومتنوع، شمولا، –( يدل على انفتاحه على علوم متنوعة)- ... وانتشارا في امتداداته إن على الصعيد العربي الإسلامي أو اللاتيني أو العبري، أو المسيحي الوسطي. فمن حيث الشمول يغطي التراث الرشدي مجالات معرفية متعددة تشمل المنطق والجدل والخطابة وأصول الفقه والتعاليم والعلم الطبيعي، وعلم الكلام والأخلاق والسياسة والفقه، وبالتالي كان ابن رشد يجوب بفكره كل أصناف المعرفة المتداولة في عصره."[9]
وهذا فقط نموذج واحد للتمثيل لا الحصر، وإلا فتاريخ الإسلام مليء بمثل هؤلاء الجهابذة الأفذاذ، الذين ترجموا عمليا ما نقترحه ونطالب به، في عصور لم تكن تعرف التخصص، بل كانت تعرف الموسوعية[10]، لذلك تمكنوا من إنتاج حضاري استفاد منه الغرب، كما أننا نستفيد من الغرب اليوم، حيث تخلفنا عن مرتبة الشهود الحضاري التي حققوها، فعلموا العالم أن المباحث العلمية مرتبطة بالإيمان مرتبطة بالسماء لا تنفك عنها.
إن الهدف من الفعل التربوي تكوين الشخصية الإسلامية، المتشبعة بهويتها، المحبة لوطنها، أي إنتاج إنسان يعيش واقعه بهويته، وذلك لن يتحقق إلا بتدريس المتعلم العلوم والمعارف من منطلق هوياتي حضاري، للوصول بالإنسان نحو الكمال، وبناء مجتمع متضامن، قائم على قيم الإسلام الصحيح، المستقاة من العقيدة، والرصيد الثقافي، والمعرفي في تراثنا الإسلامي.
إن التمييز التعليم بين الديني والمدني في منظوماتنا التربوية كانت هي بداية الانحطاط التعليمي في بلداننا العربية والإسلامية، حيث اقتصر العلم الديني على قشور العلم، أو دراسته دراسة سطحية مشوهة ومشوشة، على نحو سقيم، أما التعليم المدني فتعطى له الأهمية أكثر على مستوى الحيز الزمني المخصص، بل قد يقتصر في الوسائل التعليمية على هذا التعليم دون التعليم الديني، لذلك يكاد التعليم الثانوي والجامعي يفتقر كل الافتقار إلى المعرفة الإسلامية النافعة.[11]
إن جعل مادة التربية الإسلامية مادة كغيرها من المواد الأخرى، محدودة بساعات قليلة في الأسبوع، ونقص معامل المادة عن المواد الأخرى، وتدريس مقرر واحد لكل تخصصات المستوى الواحد، يعطي انطباعا سلبيا لدى المتعلم، ويتجه جهد المتعلم للمواد الأخرى، وهذا ما يكرس الفصام النكد بين الدين، والحياة، والعلوم الكونية.
إن التربية الإسلامية هي الخيار الحضاري لأمتنا الإسلامية، الذي يجعلنا نحتل موقعنا الريادي بين الأمم، غير أننا نلاحظ أن مشاريعنا الإصلاحية للقضية التربوية تغفل هذا الخيار، في مقابل التركيز على استيراد التقنيات والمشاريع التي لا يمكن أن تعطي نتائج فعالة إلا في الوسط والبيئة الفكرية التي أنتجتها.
والخلاصة إن الإصلاح الحقيقي للفعل التربوي في المغرب، يجب أن يرتكز على إرادة صادقة من طرف النخبة السياسية في بلدنا، لأن الإصلاح التربوي يفتقد إلى إرادة سياسية تربط بين تراثنا الحضاري فكرا وسلوكا وأخلاقا ...، ومستقبلنا كأمة شاهدة على بقية الأمم.

المصادر والمراجع المراجع:
§        القرآن الكريم:
§        السنة النبوية:
§        (الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى)، لأبي الوليد محمد بن رشد الحفيد(595ه)
§        (الموافقات في أصول الشريعة) الإمام أبي إسحاق الشاطبي ، دار الكتب العلمية، و دار ابن عفان، بيروت-لبنان، ط/1،(1991-1411).
§        (رسائل النور، بديع الزمان سعيد النورسي) ترجمة إحسان قاسم الصالحي.
§        (ظلام من الغرب) محمد الغزالي
§        (الإسلام والتعددية الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة) الدكتور محمد عمارة
§        ( المعجم الفلسفي)، مجمع اللغة العربية، يوسف شلالة، يوسف كرم مراد وهبة، طبعة القاهرة، سنة 1966م.
[1] -  هذا المقال جزء من دراسة معمقة، سنخص بها مجلة كراسات تربوية، وننشر بقية الدراسة في الأعداد المقبلة.
[2]- الهوية: " الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق" أنظر: الشريف الجرجاني مادة: "هوية" طبعة القاهرة سنة: 1938  بدون رقم الطبعة. " حقيقة الشيء أو الشخصية المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية التي تميزه عن غيره...." أنظر: المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية مادة "هوية" يوسف شلالة، يوسف كرم مراد وهبة، طبعة القاهرة، سنة 1966م.
من خلال هذين التعريفين وربطا بالموضوع- موضوع التربية- نقول:" إن هوية أمة من الأمم وخاصة إذا تعلق الأمر بالهوية الإسلامية هي: السمات والمعالم الجوهرية العامة التي تميز هذه الأمة عن غيرها من الأمم، وبذلك يكون لها طابعها المتميز، وشخصيتها الحضارية المتفردة...."
[3] - رسائل النور، بديع الزمان سعيد النورسي، اللمعة الحادية عشرة، ص:95. ترجمة إحسان قاسم الصالحي.
[4] - الموافقات في أصول الشريعة، الإمام أبي إسحاق الشاطبي ، 1/41، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، ط/1،(1991-1411).
[5] - رواه أبو نعيم في (حلية الأولياء) من حديثِ عبدِ الله بنِ مسعود، والبيهقي في (شعب الإيمان) من حديثِ أنسِ بنِ مالك.. واللفظ للبيهقي... وإن قيل بضعفه إلا أننا نستأنس به، على قول العلماء بالعمل بالحديث في فضائل الأعمال.

[6]- الموافقات في أصول الشريعة، للشاطبي:1/124. تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان
الطبعة: الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م


- والمقصود بمشهورة أنها لا تحتاج إلى توثيق[7]
[8] - الإسلام والتعددية الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة، الدكتور محمد عمارة، ص: 217، دار الرشاد، ط/1، (1418ه-1998م).
[9] - الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى، لأبي الوليد محمد بن رشد الحفيد(595ه)، ص: 7-8، تقديم وتحقيق جمال الدين العلوي، تصدير محمد علال سيناصر، دار الغرب الإسلامي، ط/1،(1994م).
[10] - ونحن هنا لا ندعو إلى هذه الموسوعية، لأنها صعبة التحقق في واقعنا اليوم، لذلك نقول بالتخصص لكن دون القطيعة بين العلوم والمعارف.
[11] - ظلام من الغرب محمد الغزالي،ص: 157، بتصرف.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
مصدر المقال:
محمد الصادقي العماري، التربية الإسلامية بين الهوية والفعل التربوي، كراسات تربوية، كتاب مشترك: الصديق الصادقي العماري وآخرون، مطبعة بنلفقيه، الرشيدية، المغرب، 2013، ص ص:121-134.

تعليقات

المشاركات

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

سياسة النشر في مجلة كراسات تربوية-المغرب

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دعوة للنشر في مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة-المغرب العدد السابع(07) يناير 2022

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية: دورة تكوينية بالرشيدية حول علوم التربية والديداكتيك والتشريع التربوي من 8 أبريل إلى 15 أبريل 2018

المشاركات الشائعة

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم. ذ. الصديق الصادقي العماري

فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لدى مربي مراكز حماية الطفولة/د. كوثر الشرادي

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

هندسة التكوين الأساسي للمدرسين و تمهين التعليم. د. محمد الدريج

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

النموذج التفاعلي في مجال التوجيه التربوي:أي دور لعناصر المحيط في بناء الاختيار الدراسي والمهني/ذ. مـحمد حابا

مجلة كراسات تربوية، العدد التاسع(09) دجنبر 2022، تناقش سوسيولوجيا النظام التعليمي في المغرب

المشاركات الشائعة

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

هندسة التكوين الأساسي للمدرسين و تمهين التعليم. د. محمد الدريج

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لدى مربي مراكز حماية الطفولة/د. كوثر الشرادي

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

المشاركات الشائعة

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

سياسة النشر في مجلة كراسات تربوية-المغرب

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دعوة للنشر في مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة-المغرب العدد السابع(07) يناير 2022

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية: دورة تكوينية بالرشيدية حول علوم التربية والديداكتيك والتشريع التربوي من 8 أبريل إلى 15 أبريل 2018