فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لدى مربي مراكز حماية الطفولة/د. كوثر الشرادي


فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لدى مربي مراكز حماية الطفولة
د. كوثر الشرادي


مقدمة:
إن مهنة المربي المتخصص في مجال حماية الطفولة تعتبر من المهن الصعبة في المجال الاجتماعي النفسي التربوي، فهو يعتبر القلب النابض لهذا القطاع، حيث يقوم  بتفعيل البرامج المسطرة ويتعامل مع فئة خاصة من الأطفال الذين يعتبرون في خلاف مع القانون ويحتاجون إلى رعاية نفسية واجتماعية من نوع خاص. الشيء الذي لا يمكن لأي أحد القيام به إلا متخصص في هذا المجال، الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن مؤهلات هذا الشخص العلمية والعملية ومدى قدرته على تحقيق الأهداف المنوطة والموكلة إليه، خاصة وأنها تتنوع بين ما هو تربوي وتقني وتنشيطي، وأيضا التساؤل عن مدى فاعلية أداءه الذي يتجلى في إعادة إدماج الأحداث الجانحين في المجتمع، في ظل الظروف الراهنة بمراكز حماية الطفولة، التي مازالت تعاني من غياب التجهيزات الأساسية وسوء البنية التحتية، وأيضا غموض دور المربي في مختلف القوانين المنظمة للقطاع ولا ننسى الظروف الشخصية التي يمكن أن لا تساعده على أداء دوره كما يجب.
-فما هي مهام المربي داخل مراكز حماية الطفولة؟
-ما هي الخلفية النظرية للفاعلية الذاتية؟
-وما هي أهم العوامل التي تؤثر على فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لمربي مراكز حماية الطفولة؟
I-المربي المتخصص بمراكز حماية الطفولة:
1.تعريف كلمة مربي:
المربي لغة: ربا ربوا وربوا الولد: نشأ، ويقال أيضا: "ربيْت وربِيت رباءً وربيًا" أي نشأتُ. ربّى تربية وتربّى الولد: غدّاه وجعله يربو، هذبه. [1] والمربي اسم فاعل من الفعل ربّى، أي من يقوم بالتربية.
المربي اصطلاحا: هو الشخص الذي يضطلع بمهمة التربية داخل المركز وله مؤهلات وقدرات تسهل عملية تدخلاته نتيجة لدوره الاجتماعي واستعداداته الذاتية ومؤهلاته التربوية والبيداغوجية، فهو ذلك الشخص الذي يهتم بالأطفال، ويشغل وقتهم وينشطهم ويساعدهم على أن يفرضوا مكانتهم، والذي يمكنهم من بناء الأنا وانشراحها كما يساعدهم على خلق علاقات اجتماعية... .[2]
إجرائيا: هو موظف تابع لوزارة الشباب والرياضة مصلحة حماية الطفولة، مكلف بعدة مهام تربوية، تقنية وتنشيطية، الهدف منها إعادة إدماج الأحداث في المجتمع.
2.مركز حماية الطفولة:
مركز حماية الطفولة مؤسسة تابعة لكتابة الدولة المكلفة بالشباب تقوم باستقبال الأحداث المتخذة في حقهم التدابير القضائية قصد دراسة شخصيتهم والتعرف على أوساطهم واقتراح التوجيه المناسب لهم بغية

 تقويم سلوكهم وتكوينهم تكوينا مهنيا يؤهلهم بالتدريج للاندماج من جديد في المجتمع.[3]
3.دور المربي داخل مراكز حماية الطفولة:
تتحدد مسؤولية المربي بمؤسسات حماية الطفولة كباقي الوظائف العمومية حسب الشروط المحددة في الفصل 2 من ظهير 24 فبراير 1958 للقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، إلا أن الشرح الإجرائي لمسؤوليات المربي في تحديد حقوقه وواجباته والتزاماته إزاء عمله مع الأحداث مازال غامضا بسبب غياب النصوص التنظيمية التي تحدد اختصاصاته، إلا أن طبيعة انتمائه إلى إدارة عمومية فإنها تخضعه لسلطة وزارة الشباب والرياضة وكذا لسلطة قاضي الأحداث.[4]
وبحسب تصور وزارة الشباب والرياضة فإن مسؤولية المربي تتجلى في:
-المساهمة في وضع وإنجاز برامج تربوية خاصة بالأحداث.
-تدوين الملاحظات حول مختلف أنشطة الأحداث اليومية خلال المراحل التي يقضونها بالمؤسسة.
-إجراء المراقبة خلال الحياة اليومية، وخلال الفترة الليلية.
-ملء الوثائق الخاصة بالحدث طبقا للمنهجية التقنية الخاصة بالعمل بمؤسسات حماية الطفولة.
-اتخاذ التدابير المستعجلة في حالة وقوع حادث أو فرار.[5]
فمهام المربي داخل المركز يمكن تصنيفها فيما يلي :
تقويم وإعادة تربية الحدث:
بمعنى أنه على المربي تقبل الحدث، وأن يتعرف عليه حق المعرفة، ويستطيع أن يفعل ذلك عن طريق استخدام الاختبارات والمقابلات المقننة وبدراسة الحالة. وفي هذا الإطار يرى جان شازال أن هناك ثلاث عمليات في أساليب التقويم العلاجي للحدث:
-عملية علاجية: باستعمال العلاجات الطبية والنفسية قصد تحسين سلوك الحدث (العلاج النفسي الفردي والجماعي).
-عملية التأهيل المهني: وهو الوصول بالحدث  إلى كسب مستوى مهني ييسر له فيما بعد كسب عيشه.
-عملية تربوية هادفة: تسعى إلى أن يتوافق الحدث مع نفسه ومع الغير كما تسعى إلى أن ينضبط وأن يصل إلى استقلاله الذاتي ويتحكم في نفسه وأن ينسجم مع المجتمع.
وفيما يخص إعادة التربية فإن جان شازال [6]حدد مهام المربي فيما يلي:
v تفكيك التكيف الماضي للحدث المنحرفLe déconditionnement: أي عزل الحدث عن وسطه الأصلي إذا كان هذا الأخير ضارا بشخصيته ومفسدا له وعامل من عوامل انحرافه.
v تحديد التكيف La reconditionnement: والذي يرمي إلى غايتين أساسيتين:
·تمكين الحدث من اكتساب ردود الفعل.
·الوصول بالحدث كذلك عبر تطورات الإشباع والتقمص السوسيونفسي إلى الانسجام مع جو الجماعة وأن يتقلب مع أسلوب حياتها.
vالعمل بواسطة الجماعة L’action par le groupe: بحيث أنه على المربي أن يتمكن من تحقيق التوافق الجيد للعناصر الأساسية للجماعة التي يشرف عليها وذلك لما لذاك من تأثيرات إيجابية على الأحداث تتجلى في:
·التحرر من التوترات والمشاكل العاطفية.
·الكشف عن ميولهم ونزعاتهم.
·اكتساب خصال اجتماعية كالتسامح.
·احترام آراء الغير والحوار مع المحيطين بهم.
vالشخصنة أو تمييز الشخصية La personnalisation du sujet: بمعنى تمييز شخصية الحدث داخل الجماعة باعتبارها شخصية فتية وفي طور النضوج والتبلور، وذلك بمراعاة مجموعة من الحاجيات:
·الحاجة إلى الحب.
·الحاجة إلى الأمن.
·الحاجة إلى تثبيت الأنا. [7]
مهمة المربي كمرشد نفسي للحدث:
في إطار غياب طبيب نفسي بمراكز حماية الطفولة، فإن هذه العملية يقوم بها المربي عبر عدة جلسات إرشادية، من خلالها يشجع المربي الحدث ويحثه على التعبير عن أفكاره، وتتحقق نسبيا في هذه الجلسات كل إجراءات عملية الإرشاد مثل التنفيس الانفعالي، الاستبصار، نمو الشخصية، تعديل السلوك، اتخاذ القرارت وحل المشكلات.
ومن عوامل نجاح الجلسات الإرشادية نذكر:
-الاستعداد للمساعدة: أن يكون لدى المربي اتجاه موجب نحو الطفل وأن تتوفر لديه الرغبة في مساعدته.
-الألفة والتقبل: توفر الألفة والتفاهم التام بين المربي والحدث، وعلى المربي أن يتقبله بحالته التي هو عليها دون التأثر بالأحكام والآراء المسبقة، ودون النقد اللاذع واللوم حتى يتمكن من مساعدة الحدث على تقبل ذاته.
-المشاركة الانفعالية: إحساس المربي بمشاعر الحدث ومشاركته في انفعالاته وإدراكه لمشاعره وتفهمها وتقدير ظروفه.
-التركيز: تركيز الحديث أثناء الجلسة حول مشكلة الحدث وأفكاره ومشاعره الشخصية.
-الحكمة: تحلي المربي بالصبر والتروي والحكمة في القول والفعل باعتباره القدوة الحسنة للحدث خلال الجلسة.
-التلقائية: التعبير عن المشاعر الحقيقية دون تصنع.
-الإنصات وحسن الاستماع: حسن الإصغاء وتركيز الانتباه لكل أقوال وأفعال الحدث، ويكون تدخل المربي بقدر محدود عند الضرورة لمساعدته على الاسترسال في الحديث والتفريغ الانفعالي.

-البشاشة والثقة المتبادلة: ينبغي للمربي أن يكون بشوشا ودودا أثناء الجلسة الإرشادية مع الحدث، وتعتبر الثقة أمرا ضروريا ليشعر الحدث بالأمان على أسراره التي يفضي بها.
-مظهر المربي: أي أنه على المربي إظهار اهتمامه بالحدث خلال جلسته ونبرات صوته وتعبيرات وجهه، وأن يكون مظهره نظيفا بهندام محترم دون مغالاة أو إهمال.
-الزمان والمكان: تحديد مواعيد الجلسات بما يناسب ظروف الحدث ويلائم جدول مواعيد المربي، كما يجب أن تكون تلك الجلسات متقاربة وغير متباعدة وفي المكان المحبب للحدث وأن يجلس بشكل مريح وفي مواجهة المربي مباشرة. [8]
مهمة المربي كموجه تربوي ومهني للحدث:
وذلك من خلال مختلف الإجراءات التي يقوم بها المربي من الملاحظة والدراسة السلوكية للحدث وكذا القيام بكل الأبحاث الاجتماعية والاختبارات النفسية المهنية بغية التوجيه التربوي والمهني للحدث الذي يساهم في إكمال بناء الجدار الذي يقيه من الانحراف للمرة الثانية لأن تحليل سلوكه ودرجة إصلاحه تتحدد بجودة التكوين المهني والمدرسي له داخل المركز حيث تتم مساعدته وتقديم خدمات إليه في المجالات التوجيهية التالية:
-إلحاقه بمؤسسات التكوين المهني والصناعي.
-مساعدته على الحصول على عمل يضمن استقراره.
-مساعدته على إتمام دراسته أو إلحاقه بنظام التربية غير النظامية.[9]
لقد حاولنا من خلال المحور الأول من مقالنا هذا الكشف عن مهام المربي المنوطة به داخل مراكز حماية الطفولة والتي تستوجب عليه القيام بها بكيفية فعالة وذات فاعلية ذاتية تحقق الغايات المتوخاة من إدخال الأحداث داخل المراكز، فماذا نقصد إذن بالفاعلية الذاتية؟
II-الفاعلية الذاتية في ضوء نظرية باندورا
تعريف فاعلية الذات:
يقصد بفاعلية الذات أنها قناعات الفرد بقدرته الشخصية على القيام بسلوك معين الذي يوصله إلى نتائج محددة. فهي تعتبر من المكونات المهمة للنظرية المعرفية الاجتماعية ل "باندورا" والتي افترضت أن سلوك الفرد، البيئة والعوامل الاجتماعية تتداخل بدرجة كبيرة. فالسلوك الإنساني في ضوء نظرية باندورا يتحدد تبادليا بتفاعل ثلاث مؤثرات هي: العوامل الذاتية، العوامل السلوكية والعوامل البيئية وأطلق على هذه المؤثرات نموذج الحتمية التبادلية والتي يمكن توضيحها في الشكل التالي:
وانطلاقا من هذا النموذج فإن المتعلم يحتاج إلى عدد من العوامل المتفاعلة:
-عوامل شخصية: معتقدات الفرد حول قدراته واتجاهاته،
- عوامل سلوكية: مجموع الاستجابات الصادرة عن الفرد في موقف ما،
-عوامل بيئية: تشمل الأدوار التي يقوم بها من يتعاملون مع الطفل ومنهم الآباء، المعلمين والأقران. [10]
ويشير باندورا (1977) إلى عدم وجود أفضلية لأي من العوامل الثلاث المكونة لنموذج الحتمية التبادلية في إعطاء الناتج النهائي للسلوك، وأن كل عامل من العوامل يحتوي على متغيرات معرفية، ومن بين هذه المتغيرات التي تحدث قبل قيام الفرد بالسلوك ما يسمى "بالتوقعات أو الأحكام " سواء كانت هذه التوقعات أو الأحكام خاصة بإجراءات السلوك أو الناتج النهائي له، وهو ما سماه باندورا بفاعلية الذات وتعني أحكام الفرد وتوقعاته عن أدائه للسلوك في مواقف تتسم بالغموض، وتنعكس هذه التوقعات على اختيار الفرد للأنشطة المتضمنة في الأداء والمجهود المبذول ومواجهة المصاعب وإنجاز السلوك.
كما نجد أن باندورا قدم نظرية متكاملة لفاعلية الذات كنتاج لعشرين عاما من البحث السيكولوجي امتدت من (1977 حتى 1997)، وقد عبر عن فاعلية الذات بأنها قوة مهمة تفسر الدوافع الكامنة وراء أداء الأفراد في المجالات المختلفة، وإن إدراك الفاعلية الذاتية يسهم في فهم وتحديد أسباب المدى المتنوع من السلوك الفردي والمتضمنة في التغيرات وفي سلوك المثابرة الناتج عن حالات الأفراد المختلفة، ومستويات ردود الأفعال للضغوط الانفعالية، ضبط الذات، المثابرة من أجل الإنجاز، نمو الاهتمامات في مجالات خاصة والاختيار المهني.
أبعاد فاعلية الذات:
يحدد باندورا ثلاثة أبعاد لفاعلية الذات مرتبطة بالأداء لدى الأفراد، ويرى أن معتقدات الفرد عن فاعلية ذاته تختلف تبعا لهذه الأبعاد:
أ‌-قدر الفاعلية: ويقصد به مستوى قوة دوافع الفرد للأداء في المجالات والمواقف المختلفة، ويختلف هذا المستوى تبعا لطبيعة أو صعوبة الموقف ويبدو قدر الفاعلية بصورة أوضح عندما تكون المهام مرتبة وفقا لمستوى الصعوبة والاختلافات بين الأفراد في توقعات الفاعلية، ويمكن تحديدها بالمهام البسيطة المتشابهة  ومتوسطة الصعوبة ولكنها تتطلب مستوى أداء شاق في معظمها ومع ارتفاع مستوى فاعلية الذات لدى بعض الأفراد فإنهم لا يقبلون على مواقف التحدي، وقد يرجع السبب في ذلك إلى تدني مستوى الخبرة والمعلومات السابقة. [11]
ب‌- العمومية: ويشير هذا البعد حسب باندورا إلى انتقال فاعلية الذات من موقف ما إلى مواقف مشابهة، فالفرد يمكنه النجاح في أداء مهام مقارنة بنجاحه في أداء أعمال ومهام مشابهة.
ت‌-القوة  أو الشدة: فالمعتقدات الضعيفة عن الفاعلية تجعل الفرد أكثر قابلية للتأثر بما يلاحظه (مثل ملاحظة فرد يفشل في أداء مهمة ما، أو يكون أداؤه ضعيفا فيها)، ولكن الأفراد مع قوة الاعتقاد بفاعلية ذواتهم يثابرون في مواجهة الأداء الضعيف، ولهذا فقد يحصل طالبان على درجات ضعيفة في مادة ما، أحدهما أكثر قدرة على مواجهة الموقف "فاعلية الذات لديه مرتفعة" والآخر أقل قدرة "فاعلية الذات لديه منخفضة". [12]
ويشير أيضا هذا البعد إلى عمق الإحساس بالفاعلية الذاتية، بمعنى قدرة أو شدة أو عمق اعتقاد أو إدراك الفرد أن بإمكانه أداء المهام أو الأنشطة موضوع القياس.
مصادر فاعلية الذات:
 وفي هذا الصدد يقترح باندورا أربعة مصادر لفاعلية الذات وهي كالتالي:
أ‌-الإنجازات الأدائية: ويمثل المصدر الأكثر تأثيرا في فاعلية الذات لدى الفرد لأنه يعتمد أساسا على الخبرات التي يمتلكها الشخص، فالنجاح عادة يرفع توقعات الفاعلية بينما الإخفاق المتكرر يخفضها، والمظاهر السلبية  للفاعلية مرتبطة بالإخفاق، وتأثير الإخفاق على الفاعلية الشخصية يعتمد جزئيا على الوقت والشكل الكلي للخبرات في حالة الإخفاق، وتعزيز فاعلية الذات يقود إلى التعميم في المواقف الأخرى وبخاصة في أداء الذين يشكون في ذاتهم من خلال العجز واللافاعلية الشخصية، والإنجازات الأدائية يمكن نقلها بعدة طرق من خلال النمذجة المشتركة حيث تعمل على تعزيز الإحساس بالفاعلية الذاتية لدى الفرد. [13]
ب‌-الخبرات البديلة: ويشير هذا المصدر إلى الخبرات غير المباشرة التي يمكن أن يحصل عليها الفرد، فرؤية أداء الآخرين للأنشطة والمهام الصعبة يمكن أن تنتج توقعات مرتفعة مع الملاحظة
الجيدة أو المركزة والرغبة في التحسن والمثابرة مع المجهود ويطلق على هذا المصدر "التعلم بالنموذج وملاحظة الآخرين" فالأفراد الذين يلاحظون نماذج ناجحة يمكنهم استخدام هذه الملاحظات لتقدير فاعليتهم الخاصة. [14]
ت‌-الإقناع اللفظي: ويعني الحديث الذي يتعلق بخبرات معينة للآخرين والإقناع بها من قبل الفرد أو معلومات تأتي للفرد لفظيا عن طريق الآخرين فيما قد يكسبه نوعا من الترغيب في الأداء أو الفعل، ويؤثر على سلوك الشخص أثناء محاولاته لأداء المهمة. [15]
ث‌-الحالة النفسية والفسيولوجية: وتمثل المصدر الأخير للحكم على فاعلية الذات، ويشير إلى العوامل الداخلية التي تحدد للفرد ما إذا كان يستطيع تحقيق أهدافه أم لا، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار بعض العوامل الأخرى مثل القدرة المدركة للنموذج، الذات، صعوبة المهمة، المجهود الذي يحتاجه الفرد والمساعدات التي يمكن أن يحتاجها للأداء.[16]
ويشير باندورا (1977) إلى أن القلق عامل مؤثر في فاعلية الذات، والعلاقة بينهما عكسية، كما أن قوة الانفعال غالبا ما تخفض درجة الفاعلية الذاتية.
وبعدما قد حددنا تعريفا يشمل العوامل المؤثرة والأبعاد والمصادر الأساسية لفاعلية الذات عامة بحسب نظرية باندورا، سنقوم خلال المحور الأخير من هذا المقال برصد لأهم العوامل التي لها تأثير كبير ومباشر على فاعلية الذات لدى مربي مراكز حماية الطفولة.
III-العوامل المؤثرة على فاعلية الذات لدى المربي داخل مراكز حماية الطفولة:
من خلال تجربتنا داخل مراكز حماية الطفولة بالمغرب لا حظنا أن الفاعلية الذاتية للمربين والمربيات تتأثر بمجموعة من العوامل يمكن تصنيفها على الشكل التالي:
1-     ظروف الاشتغال داخل المركز: فعدم توفر الوسائل المناسبة للقيام بالعمل التنشيطي التربوي ونقص التجهيزات وفضاء المركز الغير الملائم، كل ذلك يؤثر سلبا على فاعلية أداء المربي تجاه الأحداث.
2-     التكوين: فأغلب المربين يعلقون على التكوين الذي تلقوه بالمعهد بأنه بعيد عن الواقع ولا يستفيدون منه في ممارستهم المهنية، وكذلك الأمر بالنسبة للدورات التكوينية لاستكمال الخبرة فيقولون كلهم بأن الاستفادة منها ذاتية فقط حيث لا يمكن تطبيق تلك المعارف في ظل الظروف الراهنة بمراكز حماية الطفولة من ارتفاع عدد النزلاء والنزيلات مقابل عدد الأطر. 
3-     المهارات الشخصية والخبرات العملية: إن كل مربي يعكس شخصيته في تعامله مع الأحداث تبعا لميولاته وتوجهاته الخاصة، المتدين يحدثهم بالدين والرياضي يؤطرهم بالرياضة والمرح بطبعه يمازحهم...، بالإضافة إلى ذلك فللخبرة العملية تأثير كبير على فاعلية الذات لدى المربي، فالمتمرس خلال سنوات طويلة بالعمل ليس كحديث العهد.
4-     نظام العمل وطبيعة التحفيزات: حيث أن جل المربين يشتكون من نظام المناوبة الذي يأتي على حساب حياتهم الشخصية ووقتهم مع أسرهم، بالإضافة إلى غياب التعويض عن الليل، كما يشتكي أغلبهم من عدم الشفافية في مبارايات الكفاءة المهنية مما يشعرهم بالظلم والإجحاف خصوصا من تجاوزا 20 سنة بالقطاع. فرغم هذه الظروف فإن المربين يناضلون ويحاولون العطاء، فما بالك لو تحسنت وضعيتهم أكثر وتم إنصافهم وتعديل هذه الظروف.
5-     الظروف الشخصية للمربين: ويتبين لنا تأثير هذا العامل أكثر لدى المربيات حيث أن أبناءهن في أمس الحاجة إلى وجودهن خصوصا وأنهن يغبن 3 أيام متتالية، مما يجعل المربية الأم قلقة ومتوترة الأعصاب طوال فترة تواجدها في المركز مما قد يؤثر على فاعلية أداءها سلبا، بينما نجد المربيات العازبات والمربين المستقرين أسريا يعملون براحة أكثر مما ينعكس إيجابا على فاعلية أداءهم.
خاتمة:
يعتبر موضوع حماية الطفولة من المواضيع التي يتجنب أصحاب القرار من سياسيين ومسؤولين وحتى الباحثين الخوض فيها، لما يحيط بها من صعوبات وخروقات في كثير من الأحيان فكل الدراسات بهذا المجال تتوجه نحو الحدث وأسباب تعاطيه للانحراف ومحاولة إدماجه في المجتمع، دون الأخذ بعين الاعتبار أهم عنصر في عملية الإدماج هذه، ألا وهو المربي المتخصص بقطاع حماية الطفولة، ذلك الشخص الذي يلازم الحدث 24 ساعة ويهتم بنظافته وأكله وصحته ويتابعه مهنيا ودراسيا ومسؤول عن إدماجه اجتماعيا، وتوجيهه ومتابعته نفسيا في ظل مجموعة من الإكراهات التي تفرضها طبيعة العمل داخل المركز خاصة، والنظام المسير للقطاع عامة. ونحن في ختام هذا المقال سنحاول تقديم بعض التوصيات والاقتراحات التي قدمها
المربون والتي يرون أنها كفيلة بتغيير الوضع الراهن إلى الأحسن وهي كالتالي:
1-  تكليف كل مربي ب10 أحداث على الأكثر.
2-تحسين جودة التكوين المستمر.
3-خلق مراكز متخصصة لحماية الطفولة وفق الشروط الدولية المعمول بها لتراعي تنوع الأحداث (وضعية صعبة/ جانحين).
4-تعيين عدد أكبر من الأطر.
5-تكثيف الدوريات التفتيشية المفاجئة للتعرف على الواقع بمراكز حماية الطفولة.
6-تجهيز المراكز بالوسائل اللازمة لتفعيل العمل التنشيطي التربوي.
7-تحديد مهام المربي بشكل واضح.
8-توحيد منهجية العمل لتجنب الذاتية والارتجالية في التعامل مع الأحداث.
9- تكليف كل مربي بحالات معينة من الأحداث بمعنى التخصص في التعامل مع الجنح لخلق مقاربات علاجية فاعلة.

المصادر و المراجع:
1-المنجد في اللغة والإعلام (2008) . دار المشرق بيروت الطبعة 43، الصفحة: 247.
2-وزارة الشباب والرياضة الكتابة العامة لمديرية الشباب والطفولة والشؤون النسوية قسم الطفولة (2005): "مشروع مؤسسة حماية الطفولة تمارة"، الصفحة: 5.
3-وزارة الشباب والرياضة الكتابة العامة مديرية الشباب والطفولة والشؤون النسوية قسم الطفولة (2007):"مؤسسات حماية الطفولة مسار في خدمة الطفولة"، الصفحات: 4-11- 25.
4-قاسمي ادريس والمير خالد (1990): "حقوق الموظف وواجباته"، سلسلة التكوين الإداري، مطبعة النجاح الجديدة.
5-مذكرة تتعلق بسير النشاط التقني والتربوي بمؤسسات حماية الطفولة عدد 159 بتاريخ 20 ربيع الأول 1403 موافق 5/1/83.
6-شازال جان (1983): "الطفولة الجانحة"، سلسلة زدني علما، بيروت: منشورات عويداتالطبعة 3.
7-أغوتان عزيز والمديني محمد (1999-2000): "المربي المختص وانحراف الأحداث بين التكوين والممارسة"، بحث لنيل دبلوم المعهد الملكي لتكوين الأطر، الصفحات: 85-61 بتصرف.
8-زهران حامد (1980): "الإرشاد النفسي"، عالم الكتب، القاهرة، الصفحات: 284-287.
9-أتكرار نوال (2008-2009)، "البرامج التربوية داخل مراكز حماية الطفولة وظاهرة العود"، بحث لنيل دبلوم المعهد الملكي لتكوين الأطر، الصفحة: 44.
10-أبو هاشم حسن محمد(2004)،" مؤشرات التحليل البعدي لبحوث فاعلية الذات في ضوء نظرية باندورا"، دراسة في منهجية البحث النفسي والتربوي، الصفحة: 35.
11-أبو هاشم السيد (1994)، " أثر التغذية الراجعة على فعالية الذات" ، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة الزقازيق، مصر، الصفحة: 48.
12-الشعراوي علاء (شتنبر 2000)، " فاعلية الذات وعلاقتها ببعض المتغيرات الدافعية لدى طلاب المرحلة الثانوية"، مجلة كلية التربية بالمنصورة، العدد 44، الصفحات: 287-325.
13-A.Bandura (1977), « Self- Efficacy :Toward A unifying Theory of Behavioral Change », Psychological Review, 84, 2 ,P :195.
14-A.Bandura(1982),« Self Mechanism in Human Agency »,American Psychologist, 37,2, P :122-147.
15-A.Bandura(1977), «Self-Efficacy :The exercise of control », W.H.Freeman, New-York, P : 200
16-P.Barrau (1972):« L’Educateur d’enfant et d’adolescents », Collection Bourrelier. P : 11



[1]  المنجد في اللغة والإعلام (2008) . دار المشرق بيروت الطبعة 43، الصفحة: 247.
[2]P.Barrau(1972):«L’Educateur d’enfant et d’adolescents »,Collection Bourrelier.P: 11
[3] وزارة الشباب والرياضة الكتابة العامة لمديرية الشباب والطفولة والشؤون النسوية قسم الطفولة (2005): "مشروع مؤسسة حماية الطفولة تمارة"، الصفحة: 5.
[4]قاسمي ادريس والمير خالد (1990):"حقوق الموظف وواجباته"،سلسلة التكوين الإداري، مطبعة النجاح الجديدة.
[5]مذكرة تتعلق بسير النشاط التقني والتربوي بمؤسسات حماية الطفولة عدد 159 بتاريخ 20 ربيع الأول 1403 موافق 5/1/83.
 [6] شازال جان (1983): "الطفولة الجانحة"، سلسلة زدني علما، بيروت: منشورات عويداتالطبعة 3.
[7]  أغوتان عزيز والمديني محمد (1999-2000): "المربي المختص وانحراف الأحداث بين التكوين والممارسة"، بحث لنيل دبلوم المعهد الملكي لتكوين الأطر، الصفحات: 85-61 بتصرف.

[8] زهران حامد (1980): "الإرشاد النفسي"، عالم الكتب، القاهرة، الصفحات: 284-287.
[9] أتكرار نوال (2008-2009)، "البرامج التربوية داخل مراكز حماية الطفولة وظاهرة العود"، بحث لنيل دبلوم المعهد الملكي لتكوين الأطر، الصفحة: 44.

[10] أبو هاشم حسن محمد(2004)، " مؤشرات التحليل البعدي لبحوث فاعلية الذات في ضوء نظرية باندورا"، دراسة في منهجية البحث النفسي والتربوي، الصفحة: 35.

[11] أبو هاشم السيد (1994)، " أثر التغذية الراجعة على فعالية الذات" ، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة الزقازيق، مصر، الصفحة: 48.

[12]  الشعراوي علاء (شتنبر 2000)، " فاعلية الذات وعلاقتها ببعض المتغيرات الدافعية لدى طلاب المرحلة الثانوية"، مجلة كلية التربية بالمنصورة، العدد 44، الصفحات: 287-325.

[13] A. Bandura (1977), « Self- Efficacy :Toward A unifying Theory of Behavioral Change », Psychological Review, 84, 2 ,P :195.
[14]A.Bandura (1982),« Self Mechanism in Human Agency»,American Psychologist, 37,2,P:122-147.
[15]A.Bandura (1977), « Self- Efficacy :Toward A unifying Theory of Behavioral Change », Psychological Review, 84,2 ,P:200.
[16]A.Bandura (1977),« Self- Efficacy:The exercise of control »,W.H.Freeman, New-York, P:200
 :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
مصدر المقال:
 
  د. كوثر الشرادي، فاعلية الذات وجودة الأداء المهني لدى مربي مراكز حماية الطفولة، مجلة كراسات تربوية، العدد1، مطبعة بنلفقيه، الرشيدية، المغرب، 2014، ص ص 158-174.

تعليقات

المشاركات

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

سياسة النشر في مجلة كراسات تربوية-المغرب

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دعوة للنشر في مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة-المغرب العدد السابع(07) يناير 2022

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية: دورة تكوينية بالرشيدية حول علوم التربية والديداكتيك والتشريع التربوي من 8 أبريل إلى 15 أبريل 2018

المشاركات الشائعة

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم. ذ. الصديق الصادقي العماري

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

هندسة التكوين الأساسي للمدرسين و تمهين التعليم. د. محمد الدريج

النموذج التفاعلي في مجال التوجيه التربوي:أي دور لعناصر المحيط في بناء الاختيار الدراسي والمهني/ذ. مـحمد حابا

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

تمديد الإعلان عن طلبات النشر في مجلة كراسات تربوية، العدد (11) يونيو 2023

المشاركات الشائعة

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

هندسة التكوين الأساسي للمدرسين و تمهين التعليم. د. محمد الدريج

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

المشاركات الشائعة

مجلة كراسات تربوية، العدد الثاني 2016

سياسة النشر في مجلة كراسات تربوية-المغرب

المدرس و نظم العمل في مجال الإرشاد النفسي المدرسي

مجلة كراسات تربوية، العدد الثالث 2018

دعوة للنشر في مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة-المغرب العدد السابع(07) يناير 2022

مجلة كراسات تربوية، العدد السادس-6-فبراير 2021

د. محمد الدريج: ديدكتيك اللغات و اللسانيات التطبيقية -تداخل التخصصات أم تشويش براديكمي-

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي. ذ. الصديق الصادقي العماري

مجلة كراسات تربوية: المواكبة التربوية نحو تأسيس نموذج/منظومة لتجويد التعليم و محاربة الهدر المدرسي

مجلة كراسات تربوية: دورة تكوينية بالرشيدية حول علوم التربية والديداكتيك والتشريع التربوي من 8 أبريل إلى 15 أبريل 2018